> فن وثقافة

تدمير البنية الثقافية هل هو بالرقابة فقط؟


تدمير البنية الثقافية هل هو بالرقابة فقط؟

تستطيع أن تضع عنوانا مهما لندوة مثل «الرقابة تدمير للبنية الثقافية»، ولكن ان تميل بعيدا نحو تفاصيل معروفة ومكررة حول تعسف اللجان الرقابية التي تختص بالكتب أو المسرح، وأن تستعرض تراجع قوانين الطباعة والنشر في السنوات الأخيرة عن قوانين الجزاء عام 1960، وآليات التنشئة الاجتماعية التي تجرّد الفرد من هويته وقراره وفرديته ليصبح فردا بلا صوت ولا إرادة، وكأن الخلاص يمكن أن يكون فرديا أو بتكوين تجمعات لأفراد متشابهين في درجات الوعي، وأن تستعرض التحالف القائم بين الحكومة ورؤوس الأموال لخلق ثقافة سائدة هشة وضعيفة ومجهلة أيضا، ولكن ماذا عن البنية الثقافية ككل وآليات إنتاج الثقافة أو تعطيلها وجعلها كهيكل فارغ ليس أكثر من مظاهر ثقافية، ومن مبان وفعاليات بائسة، لأفراد مجتمع ممارساتهم الثقافية بمعناها الأشمل، التي ليست مجرد كتاب أو إبداع، هي ما يحتاج لوضع سؤال كبير عليها؟
ثم هل يفترض بالفرد أن يدافع عن حقوق النخبة أو أن تدافع عن حقوق الفرد؟، ولماذا لا يشعر الفرد أن حقوق النخبة هي جزء من حقوقه في الحرية والتعبير والبحث والتفكير أيضا؟! «النضال» في مجال رفع الرقابة يبدو للفرد وكأنه نضال من أجل الآخرين وهذه حقا مشكلة، ولكنها مفهومة في ظل سيادة ثقافة عامة مهادنة لفكرة الوصاية. الرقابة ليست منع كتاب أو مسرحية، هي المجال العام بكل طبقاته الفكرية والسياسية والدينية والتشريعية، الذي أصبح محبوسا في إطار ضيق جدا ومحكوم بأفكار سائدة معادية لمنطق يرى المجتمع والأفراد خارج الوصاية، وبالتالي خارج الرقابة.
جزئيات بلا سياق
ذهبت للندوة التي أقامتها الجمعية الثقافية النسائية وتحدث فيها أحمد الديين، وعالية الخالد، وبثينة العيسى، وسليمان البسام، وأنا اتخيل أن الحديث سينطلق من رؤى تفهم تماما عمق الأزمة التي يعتبر الشق السياسي فيها كبيرا جدا ورئيسيا، ولكن وعلى الرغم من أهمية الجزئيات التي تحدث فيها الجميع إلا أنها كانت في نطاق «عرض» تلك الجزئيات بلا سياق يتعاطى مع مشكلة البنية الثقافية الهشة اصلا، التي يعتبر وجود الرقابة فيها أمرا منطقيا فعلا حتى لو لم يعجبنا ذلك. سليمان البسام، أشار إلى هذه الجزئية «خواء البنية الثقافية وهشاشتها»، وإلى غياب المشروع الوطني الثقافي، واختلفت معه بثينة العيسى، ورأت أن من الجيد أن ترفع الدولة يدها عن الثقافة، ان تتركها لجمعيات النفع العام وأصحاب المبادرات الثقافية، كما أشار أحمد الديين، إلى ضرورة تأهيل المعارضة الوطنية الديموقراطية التقدمية والمشروع المستنير الذي لا يقدم الحقوق السياسية على الحقوق الاجتماعية. كل هذا جميل ومهم ولكن ما الحل؟
وما أشارت إليه عالية الخالد، من وعي وإدراك الراحل عبدالعزيز حسين، للمجتمع الكويتي قبل ان يطلق مشروعه التنويري، ألا يجعلنا نطرح السؤال إن كان المثقف الكويتي حاليا يمتلك تلك الرؤية الواسعة للمجتمع، وهو يضع الحديث عن بنيته الثقافية في عنوان ندوة دون أن يتطرق لها إلا ضمن حديثه عن همه الشخصي ككاتب ومبدع أو مهتم بحرية الرأي والتعبير؟ المداخلات بدأت وكأننا جئنا لنتضامن مع المثقف والكاتب والمبدع وندين الرقابة وقوانينها، وضمن سياق الحديث اكتشف المثقف أنه لا بد أن يتطرق للبنية الثقافية على الهامش.
مشروع أصولي 
في مداخلة د. خليفة الوقيان، تحدث عن انحسار مشروع الدولة النهضوي وصعود المشروع الأصولي، وقال إن علينا أن نبحث في الأسباب، فهناك فكر تأصل منذ أربعة عقود، وأنتج جيل اليوم الذي منه القيادات والفاعلين في الشأن العام، فطبيعي أن تسود ثقافتهم وتحل بنية ثقافية جديدة غير التي دمرتها. وقال إننا إذا أردنا التغيير، علينا العمل في مسارين، أحدهما بعيد المدى قد يستغرق نصف قرن لنعيد البنية الثقافية التي سادت في بداية القرن العشرين، والمسار الثاني هو أن نستفيد مما أنتجه لنا الآباء المؤسسون في دستور 1962، والذي كفل الحريات، ويبدو أننا في الكويت، كما اشار، لدينا ضعف في الثقافة القانونية، فلا نطعن في القوانين المقيدة للحريات، لأن هناك كسلا لدى رجال القانون ولدى منظمات المجتمع المدني، لذلك لا نستطيع أن نخفف من تقدم هذا التيار نحو مزيد من التدمير للبنية الثقافية، وقال الوقيان إن علينا في الندوات التالية أن نفكر في كيفية مواجهة هذا التيار.
هذه هي المداخلة الأهم برأيي لأن البنية الثقافية إذا كانت هي عنوان الندوة فعلا، هي مشروع دولة وليست مجرد جهد فردي أو مبادرات ثقافية هنا وهناك، في محصلتها لن تكون أرضية لتنمية بشرية ولا فكرية. ولا أتخيل أن الرقابة على الكتاب أو العمل الفني لو رفعت يمكن ان يرى المثقف الكويتي أنه انتصر في معركته. القضية أكبر من ذلك بكثير.

عدد الزيارات : 822 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق