> محليات

«الديوانية».. علامة الكويت الفارقة بين نظيراتها


«الديوانية».. علامة الكويت الفارقة بين نظيراتها

تحتل «الديوانية» مكانة خاصة في نفوس الكويتيين منذ ان عرفوها قبل أكثر من 260 عاما، حيث شكلت في مختلف مراحل تطورها صورة من صور التكافل الاجتماعي بين أبناء المجتمع، وعاملا رئيسيا في صنع القرار السياسي وتعزيز الوعي الثقافي والديني.
ووفقا للباحثين في التراث فإن نشأة الديوانية في الكويت ارتبطت بحياة البحارة و«النواخذة» ربابنة سفن الغوص، و«الطواويش» تجار اللؤلؤ الذين كانوا بحاجة إلى مكان يجمعهم معا للتباحث في مصالحهم وأعمالهم في أمور البحر ورحلات الغوص على اللؤلؤ والسفر للتجارة.
وكانت البداية الأولى للديوانية من «العمارة» وهي مخزن لبيع مستلزمات رحلات الغوص، والتجارة البحرية، كالحبال، والأخشاب، والشباك، والزيوت، وغيرها وغالبا ما تكون «العمارة» قريبة من ساحل البحر حيث يجلس التاجر في عمارته صباحا ومساء لاستقبال الزبائن لشراء احتياجاتهم من أدوات.
وخلال فترة انتظار التاجر مع الزبائن لحين تجهيز طلباتهم يتجاذبون أطراف الحديث بينهم وهكذا حتى باتت «العمارة» استراحة للحاضرين ومكانا لم يقتصر فقط على شراء الحاجات بل للتعارف والسؤال عن أحوال بعضهم بعضا.
وانتقلت الديوانية بعد ذلك إلى الأسواق فأصبحت «الدكاكين» محلات التجار بمختلف أنواعها مكانا للبيع والشراء وتبادل الحديث، والتشاور في أمور البلاد الاقتصادية والاجتماعية ومناقشة كل ما يستجد على المجتمع.
وشكل هذا التطور نقطة تحول في تاريخ الديوانية حين شعر الكويتيون بأهمية تجمعهم في «الدكاكين» و«العماير» واستحسنوا فكرة الاجتماع واللقاء الذي انتقل بعد ذلك إلى المنازل حيث تأسست الديوانيات العائلية والتي مازالت مستمرة الى اليوم كواحدة من أبرز سمات المجتمع الكويتي.
و«الديوانية المنزلية» إن صح التعبير بدأت في بيوت التجار القادرين على تقديم القهوة والشاي لضيوفهم حيث كان التاجر يخصص جزءا من منزله إما غرفة كبيرة تقع عند مدخل المنزل ويطل بابها على جزء من «حوش» فناء البيت أو أن يقيم «حوشا» خاصا للديوانية منعزلا عن البيت الرئيسي ليستقبل فيه ضيوفه من داخل الكويت وخارجها.
وعن أوقات اللقاء في الديوانيات قديما فإن بعضها تفتح أبوابها لروادها بعد صلاة الفجر حتى وقت الضحى وبعضها الآخر بين صلاتي المغرب والعشاء أو بحسب المناسبات وخاصة في شهر رمضان المبارك حيث يكون اللقاء بعد صلاة القيام كما انها تعتبر مكانا للمناسبات كاستقبال المهنئين في الأفراح والمعزين في الوفيات.

ومع مرور الوقت اتخذ رجال الدين من الديوانية منبرا لعقد لقاءاتهم فيها وإلقاء المحاضرات وتعليم الحاضرين قراءة القرآن الكريم، إضافة إلى تبادل الأحاديث في الأمور الدينية والاجتماعية.
وإلى جانب الدور الديني للديوانية ظهر الدور السياسي، لها لاسيما عند تأسيس مجلس الشورى عام 1921، حين كان المرشحون يجتمعون فيها لطرح ما يحملونه من أفكار ثم تعززت اهمية الديوانية أثناء تأسيس المجلس التشريعي الاول عام 1938 كما اضطلعت بدور فاعل أثناء الاستقلال عام 1961 وانتخابات المجلس التأسيسي وانتخابات اول مجلس للامة عام 1963.
وساهمت الديوانيات بدور اجتماعي وثقافي واعلامي في الكويت وقد اتخذ من بعضها مقرات للأندية الثقافية والأدبية، ودورا للكتب، ومنها ما كان نواة لتأسيس مقر لأول الأندية الرياضية في الكويت وهو «النادي الأهلي» في عام 1952 وكذلك مقرا طبيا للعلاج قبل بناء المستشفى الأمريكاني.
أما مرحلة الديوانية الكويتية الحديثة فقد جاءت بعد الانتعاش الاقتصادي، عقب اكتشاف النفط وتصديره فشملت الديوانيات غالبية طبقات وفئات المجتمع، وغلبت عليها سمة الترفيه الفكري والمتعة المتمثلة بألعاب التسلية والمناقشات الخاصة والعامة في أمور الحياة المختلفة.
ومن العوامل التي ساهمت في انتشار الديوانيات الحديثة الوفرة المادية، والتشجيع الحكومي من خلال زيارة المسؤولين في الدولة لها في مختلف المناسبات.
وكانت الديوانية الكويتية ومازالت علامة مميزة وظاهرة اجتماعية رافقت أهل هذه البلاد في كثير من مراحل تطور دولتهم ولعبت دورا بارزا في حياتهم على كل الصعد لتشكل علامة فارقة للكويت بين نظيراتها منذ مئات السنين.


عدد الزيارات : 834 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق