قد يغدو العالم مكانًا أفضل لو تمكن البشر من خفض البطالة ومعالجة البطالة المقنعة وتحسين ظروفهم الصحية النفسية والجسدية، بالإضافة إلى زيادة الإنتاجية والاعتناء بالبيئة ورفع مستوى معيشة الأسر، لكن هل كل هذا ممكن؟ بحسب تقرير لـ«الغارديان» فإن كل هذه المنافع وأكثر ممكنة الإنجاز من خلال ساسية واحدة تأخر اعتمادها حول العالم، وهي إجازة الأيام الثلاثة أو بمعنى آخر جعل أسبوع العمل أربعة أيام فقط.
بريطانيا كمثال
التحرر من العمل المفرط كان دومًا مطلبًا للحركات العمالية، بدأته النقابات الأميركية عندما نادت بتحديد مدة الدوام اليومية بثماني ساعات، وهو ما احتشد مئات الآلاف لأجله في حدث تاريخي في هايد بارك في إنكلترا عام 1890.
حاليًا وعلى سبيل المثال، يعمل الكثير من البريطانيين لفترة أطول من متوسط مدة العمل الأسبوعية البالغة 37.5 ساعة، ووفقا لاتحاد نقابات العمال شهدت المملكة المتحدة 2.1 مليار ساعة عمل غير مدفوعة الأجر عام 2016.
وفقدت أيضًا المملكة المتحدة العام الماضي 12.5 مليون يوم عمل بسبب الإجهاد والاكتئاب والقلق المرتبط بالعمل، علمًا بأن الإجهاد الناتج عن الإفراط في العمل يزيد خطر الإصابة بأمراض منها ارتفاع ضغط الدم والسكتات الدماغية.
وتشير الأبحاث إلى أن العمل لساعات طويلة تصل تكلفته الاقتصادية إلى 5 مليارات إسترليني (6.6 مليارات دولار) في بريطانيا وحدها. ويقترح خبراء الصحة العامة خفض مدة الدوام الأسبوعية إلى 4 أيام فقط، ويؤكدون أن هذه الخطوة من شأنها تحسين الأداء الاقتصادي.
منافع عامة وخاصة
يقول الباحث ويل سترونغ: نحتاج لتغيير وجهات نظر الناس وتحسين ظروف العمل غير الصحية التي تصيب المجتمعات بالذعر، ولها آثار وخيمة على الصحة والأسرة، لا سيما أن هناك من يحظون بساعات عمل أقل.
ومع خفض الدوام إلى أربعة أيام أسبوعيا، ستتم إعادة توزيع الساعات المتاحة على جميع العاملين، وسيكون ذلك أكثر أهمية للمجتمعات مع تزايد أتمتة الأعمال الصناعية والإدارية والتجزئة التي تزيد الأجور ضعفًا والبطالة المقنعة توسعًا.
ويمكن أيضًا لهذه الخطوة المساعدة في التصدي للتغير المناخي، بحسب مؤسسة «نيو إيكونوميكس» البحثية، التي تعتقد أن خفض أيام العمل الأسبوعية سيقلل من الانبعاثات الكربونية.
ويعمل الألمان والهولنديون ساعات أقل من نظرائهم الأرووبيين والبريطانيين، ومع ذلك اقتصاد البلدين أقوى، فتقليص أيام العمل يعزز الإنتاجية بحسب باحثين، كما أنه يعني خفض الضغوط، ما يترتب عليه بالتبعية خفض الوقت المهدر.
وفي تجربة أجراها مستشفى خاص سويدي، تم خفض مدة الدوام إلى 6 ساعات يوميًا، وكانت النتائج مذهلة، حيث زادت الإنتاجية وانخفضت الإجازات المرضية، وهي خطوة لا تنطوي بالضرورة على تخفيض أجور الموظفين.
تحقيق التوازن الاجتماعي
حتى أكبر نقابة عمالية في ألمانيا تطالب بخفض مدة الدوام إلى 28 ساعة أسبوعيًا، ومع صعود الاشتراكية كقوة سياسية، بات الكفاح للحصول على مزيد من الوقت للترفيه والتقرب من الأسرة والاسترخاء مرتبطًا بمعارك أوسع.
وينبغي هيكلة الملكية العامة للاقتصاد في سبيل توفير إدارة ذاتية أعمق للعاملين، وإذا كانت التكنولوجيا تعني مزيدًا من خفض الوظائف والرواتب، فيجب أن يصبح الدخل الأساسي العالمي حقا لجميع المواطنين.
من الغريب معارضة البعض للقول ان الناس بحاجة لقضاء المزيد من الوقت مع أسرهم وفي الترفيه أو حتى الاسترخاء، لكن في الحقيقة يجب ألا يكون هناك ما يدعوهم لترك حياتهم أسيرة احتياجات الآخرين.
في معظم النماذج الاجتماعية يترتب على النمو الاقتصادي عادة بناء ثروات على يد الكثيرين لمصلحة قلة من الناس، دون تحسين لحياة الأغلبية. لكن النمو الحقيقي لا ينبغي أن يحقق الرخاء المشترك ويحسن الخدمات العامة فقط، وإنما يساعد في تحقيق التوازن بين العمل والأسرة والترفيه. (ارقام)