> اقتصاد

عدم تتبع «البتكوين» يسمح بغسل الأموال وتهريبها


عدم تتبع «البتكوين» يسمح بغسل الأموال وتهريبها

واصلت عملة البتكوين Bitcoin سلسلة ارتفاعاتها لتصل إلى أكثر من 11 ألف دولار في نهاية نوفمبر الماضي، إذ كانت 6.4 آلاف دولار في بداية الشهر وألف دولار تقريبا في بداية العام، لتصبح موضوع الساعة وحديث الكثيرين عندنا وحول العالم.
من ينظر بعمق إلى طبيعة البتكوين وأغلب العملات الرقمية الأخرى يجد انه لا توجد هناك قيمة حقيقية لها إلا في كون إمكانية عدم تتبعها وسيلة جيدة لغسل الأموال أو لاخفائها أو لتهريبها أو حتى نقلها حول العالم. ولكن هل يبرر ذلك كل هذه الارتفاعات الكبيرة والمستمرة؟
تعود هذه الارتفاعات بشكل كبير إلى سيكولوجية المتداولين واعتقاداتهم المختلفة حول مستقبل البتكوين، التي غالبا ما تكون غير صحيحة في معظمها. ولذلك لا بد من توضيحها كمحاولة لتوعية المتداولين قبل فوات الأوان.

1- لا تستخدم التكنولوجيا بشكل مجد
لان العملات الرقمية تعتمد على التكنولوجيا في أساسها وتداولاتها، يوجد اعتقاد راسخ عند الكثيرين بأن العملات الرقمية التي لا تتحكم فيها الحكومات هي التي ستسيطر على مستقبل الأموال وتكون بديلا عن العملات التقليدية كما حدث مع الانترنت والهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي. لكن هذا الاعتقاد على أرض الواقع غير عملي لأن استخدام التكنولوجيا في حالة العملات الرقمية لا يتم بشكل مجد. فبدلا من أن يتم استخدام التكنولوجيا لتقليل التكاليف وتسريع عمليات التبادل نجد أن البتكوين تستهلك طاقة عالية وتستغرق وقتا غير قصير لتشفيرها، مما يعني أن كفاءة استخدام التكنولوجيا في العملات التقليدية والتحويلات الالكترونية بالحسابات البنكية والبطاقات الائتمانية أعلى كثيراً وأقل في تكلفتها من البتكوين، على الرغم من اعتماد تقنية سلاسل البيانات أو الـ Block Chain التي تعتمدها العملات الرقمية في حلول وتطبيقات متطورة أخرى تكون فيها سلاسل البيانات أكثر عملية وذات كفاءة عالية مثل تسجيل ملكيات ومواصفات المجوهرات الثمينة وغيرها.

2- ما الذي سيحدث بعد الوصول إلى الحد الأعلى من الوحدات؟

وفق تصميم البتكوين يكون الحد الأعلى للوحدات هو 21 مليون وحدة، التي يتم خلقها حاليا وتقديمها كمكافآت على عمليات تشفير العملة نفسها (ما تم خلقه هو 16.7 مليون وحدة حتى الآن). فكيف سيكون الوضع بعد الوصول إلى الحد الأعلى من الوحدات وانتهاء مسألة خلق وحدات جديدة كمكافأة للتشفير؟ من سيتحمل تكلفة الطاقة العالية المصاحبة لتشفير العمليات بعد ذلك؟ ولماذا سيقوم بهذا العمل المكلف؟ وما هو المقابل؟ وان كانت الحكومات هي التي ستتحمل تلك الأعباء بهدف السيطرة على البتكوين، ألن تجعلها قابلة للتتبع وينتفي أهم اهداف وجودها وهي أن تكون بعيدة عن سيطرة الحكومة وغير قابلة للتتبع؟ أم غير ذلك الكثير من الفرضيات التي تثير الشكوك الكبيرة حول مستقبل هذه العملة.

3- سهولة خلق عملات رقمية أخرى

على الرغم من الشهرة الواسعة للبتكوين، كونها أول عملة رقمية يترقب العالم مستجداتها، فإن اقتناع الكثيرين بها كعملة المستقبل بالإضافة إلى السهولة الكبيرة لخلق عملات رقمية جديدة، أدى إلى أن يصبح اليوم لدينا 1320 عملة رقمية بإجمالي قيمة سوقية تفوق الـ 330 مليار دولار وتمثل قيمة البتكوين أكثر من نصفها بأكثر من 186 مليار دولار حسب موقع coinmarketcap.com.
حتى البتكوين نفسها وبسبب النجاحات الكبيرة في جذب الأنظار إليها إلى الآن، فرّخت عملات أخرى منها تحمل اسمها وبتعديلات بسيطة على تصميمها مثل بتكوين كاش (Bitcoin Cash) وبتكوين غولد (Bitcoin Gold). أليس في الاستمرار في تفريخ العملات الرقمية وكثرة عددها دليل كاف على عدم وجود قيمة حقيقية خلفها؟

4- بإمكان الحكومات التدخل متى أرادت ذلك

تراقب الحكومات حاليا ما يحدث للعملات الرقمية مع التحذير منها أو فرض ضرائب عليها، كما في ألمانيا، أو حتى الإعلان عن التفكير في اصدار عملات رقمية تابعة لحكومات دول مثل أميركا والصين واليابان وكوريا الجنوبية. إلى ذلك، وعلى الرغم من عدم إمكانية تتبع عمليات هذه العملات الحالية، فإنه لن يوجد هناك ما يمنع أن تصدر قوانين تجرم التعامل بها أو تجرم عدم الافصاح عن ملكياتها. أي بإمكان الحكومات التدخل وبطرق مختلفة متى ما ارادت ذلك، خصوصاً أن هذه العملات لا تزال على الرغم من كل الزخم حولها لا تشكل خطرا نظاميا.

5- هل هي فعلا فقاعة معرضة للانفجار في أي لحظة؟

تنقسم البيتكوين الواحدة إلى ألف ملي بيتكوين (millibitcoins) وإلى مليون مايكرو بيتكوين (microbitcoins) وإلى 100 مليون ساتوشي (satoshi) على اسم مخترعها، وهي أصغر وحدة من مكونات البيتكوين. وربما كان تصميمها كذلك بحيث لو أصبحت أصغر وحدة في البيتكوين، وهي الساتوشي تعادل أصغر وحدة في الدولار وهي السنت لأصبحت البيتكوين الواحدة تعادل مليون دولار أميركي. لكن لا يوجد اقتصاديا أو ماليا أو منطقيا أي شيء من شأنه أن يبرر هذه المعادلة الحالمة.
لا يدعم البيتكوين او العديد من العملات الرقمية المشهورة قيمة حقيقية خلفها، وهذا يشابه إلى حد ما العملات التقليدية بعد فك ارتباط الدولار بالذهب سنة 1971. لكن ما يختلف في وضع العملات التقليدية أن البنوك المركزية تنظم إصدارها حسب معطيات اقتصادية ونقدية مختلفة بهدف الحفاظ على قيمتها قدر الإمكان. أما البيتكوين مثلا فمحدد اصدارها بعدد 21 مليون وحدة دون وجود معطيات ذات معنى تبرر ذلك.
عندما تبدأ الأحلام والمبالغات بتسيد الموقف حول مستقبل أي سلعة أو أصل وتبدأ أخبار صعود الأسعار تغذي المزيد من الصعود وتزيد من ثقة المتداولين دون وجود قيمة حقيقية تبرر هذه الارتفاعات، تصبح المضاربات السريعة أقل خطورة من الاستثمار الطويل الأمد ويبدأ الاختلاف الحاد في الرأي بين المختصين والهواة حول مستقبل هذه السلعة مثل ما حصل في فقاعة زهرة التوليب وفقاعة الانترنت وحتى أزمة سوق المناخ في الكويت. لكن ما قد يجذب بعض المحترفين مثل صناديق التحوط وغيرهم هو استغلال سذاجة الهواة واستفادة مما يعرف بنظرية الأحمق الأكبر، حيث يتظاهر المحترفون بالحماقة ويشترون سلعة ذات سعر عال جدا وغير مبرر أملا في أن يأتي أحمق آخر ويشتريها منهم بسعر أعلى. حتى يأتي الأحمق الأكبر الذي يشتريها بأعلى سعر قبل انفجار الفقاعة. وهنا يكون الفرق عادة بين المحترف الذي يتظاهر بالحماقة يوقف الخسائر لشكه الكبير في انفجار الفقاعة، أما الأحمق الحقيقي فيستمر بالانتظار آملا أن تتحقق الأحلام والمبالغات وتصل إلى الأسعار الخيالية من دون أي وقف للخسائر.



عدد الزيارات : 1710 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق