تتلاحق المؤشرات الصادرة عن القيادة الفلسطينية التي تذهب باتجاه تكريس القطيعة مع واشنطن، في أعقاب اعتراف الرئيس دونالد ترامب بالقدس عاصمة لاسرائيل، ويقع في صدارة هذه المؤشرات المواقف التي اطلقها الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبيل انعقاد قمة دول منظمة التعاون الاسلامي في تركيا اليوم، طالباً عدم الاكتفاء بالادانة والتنديد بالقرار الاميركي، الى الانتقال الى مربع اتخاذ قرارات عملية وموجعة لحمله على تغيير قراره.
ولعل صدور هذه المطالب من قبل الرئيس عباس نفسه، وبلغة واضحة ومن دون مجاملات دبلوماسية، وهو الذي عرف باعتداله الشديد، ورهانه طوال السنوات الماضية على خيار المفاوضات يتيح الاستنتاج بلا خشية من الانزلاق الى المبالغة بانه قرر أن يصفق الباب بقوة في وجه الرعاية الاميركية الحصرية لعملية السلام من دون ان يعني ذلك وقوع طلاق بائن بينونة مطلقة مع العملية ذاتها، بل البحث عن راع او رعاة آخرين، واشتقاق مقاربات ووسائل بديلة عن تلك التي اعتمدتها الادارات الاميركية المتعاقبة منذ انطلاق هذه العملية.
في هذا السياق تجدر الاشارة الى ان لسان حال الكثرة الكاثرة من القوى والفصائل والنخب الفلسطينية رأت في قرار ترامب، رغم خطورته، انه كما يقال «رب ضارة نافعة»، فهو من جهة اسقط ورقة التوت عن الموقف الاميركي، واعاد تظهير مسار «اتفاق اوسلو» بوجهه الحقيقي، ومن دون مساحيق تجميل من جهة، ومن جهة ثانية حرر الفلسطينيين من قيوده وضغوطه، وبات بإمكانهم البحث عن بدائل وشق طرق اخرى لتحقيق مشروعهم الوطني.
وقال عباس في كلمة وجهها الى الجلسة الطارئة للبرلمان العربي الإثنين، التي عقدت لبحث تداعيات القرار الاميركي، والقاها نيابة عنه رياض المالكي وزير الخارجية، «ان لم يتم قطع العلاقات الدبلوماسية واغلاق السفارات الاميركية، وطرد السفراء وعدم استقبال الوفود، ومقاطعة منتجاتها» فان البيانات وحدها غير كافية.
وشن هجوما عنيفا على القرار الأميركى الرامي الى نقل السفارة الأميركية إلى مدينة القدس المحتلة، واصفا القرار بأنه تعد سافر على قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة، واستهدافا لتطلعات الشعب الفلسطينى لنيل حريته واستقلاله.
وحمل عباس الإدارة الأميركية «المسؤولية الكاملة عن كل التداعيات الناجمة في حال عدم تراجعها عن هذا القرار غير القانوني» مضيفاً: «سنعتبره بمنزلة إعلان عن انسحابها من رعاية عملية السلام». كما طالب عباس الدول التي لم تعترف بعد بدولة فلسطين الاعتراف بها فوراً كرد عملي على قرار ترامب.
المواجهات مستمرة
في غضون ذلك، تتواصل الإدانات والاحتجاجات في الاراضي الفلسطينية لليوم السادس على التوالي، رداً على قرار الرئيس الأميركي، وتتصاعد حدة التوتر على جبهة قطاع غزة.
واستشهد فلسطينيان ظهر امس في بلدة بيت لاهيا في شمال غزة، في ما قال الناطق باسم وزارة الصحة الفلسطينية في القطاع انه «قصف جوي».
ونفى الجيش الاسرائيلي في بيان شن «اي هجوم» على قطاع غزة. وقال أشرف القدرة «وصل شهيدان تمزقت جثتاهما ومصاب آخر إثر قصف جوي اسرائيلي استهدفهما بينما كانا على دراجة نارية الى المستشفى الاندونيسي في بيت لاهيا».
وأضاف القدرة ان القتيلين هما حسين نصر الله ومصطفى مفيد السلطان.
لكن الجيش الاسرائيلي قال في بيان «خلافا لتقارير فلسطينية، لم ينفذ (الجيش) أي هجوم في شمال قطاع غزة».
ولاحقاً، قالت سرايا القدس التابعة لحركة الجهاد الإسلامي في بيان إن اثنين من نشطائها قُتلا في «مهمة جهادية» في شمال قطاع غزة، في إشارة إلى أنهما قُتلا أثناء قيامهما بأعمال قتالية أو تدريبات عسكرية.و أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه أغار في فجر امس على مواقع تابعة لحركة حماس في غزة، في أعقاب إطلاق صاروخ باتجاه الأراضي الإسرائيلية.
وفي الضفة الغربية، اقتحمت قوة عسكرية كبيرة من جيش الاحتلال حي الصوانة في القدس، وأطلقت وابلاً من القنابل الصوتية الحارقة، والغازية والأعيرة النارية، واعتقلت خلالها شابا بعد اصابته بعيار ناري.
وفي طولكرم اصيب شاب بعيار معدني مغلف بالمطاط، والعشرات بالاختناق بالغاز المسيل للدموع خلال المواجهات التي اندلعت في حرم جامعة فلسطين التقنية خضوري غرب مدينة طولكرم.
وفي ذات السياق، أصيب عدد من المواطنين بحالات اختناق، جراء إطلاق قوات الاحتلال قنابل الغاز السام صوب المواطنين في مخيم العروب، وبيت عينون بمحافظة الخليل، اثر مواجهات اندلعت في المنطقتين، كما اعتقل الاحتلال عددا من الشبان قرب الحرم الإبراهيمي وسط مدينة الخليل.
وفي بيت لحم، قمعت قوات الاحتلال مسيرة عند المدخل الشمالي للمدينة المؤدي الى مدينة القدس، وأمطرت المشاركين بقنابل الغاز المسيل للدموع، ما أدى إلى إصابة عدد من المواطنين بالاختناق.