لم تثنهم إعاقتهم عن تحقيق طموحهم، في طرح قضاياهم سعيا الى التغيير للأفضل، والتعبير عمّا يجول في خاطرهم بحرية، والدفاع عن حقوقهم بصوت مسموع.. فوجدوا ضالتهم في منصات التواصل الاجتماعي فاتخذوها منبرا ومنفذا لهم ولأقرانهم، ممن عجزوا عن التواصل المجتمعي الواقعي، ليتحرروا من العراقيل ويتمكنوا من الاندماج في المجتمع وتوصيل صوتهم إلى المسؤولين المعنيين.
دوافع وأسباب كثيرة دفعت مجموعة من متحدّي الإعاقة الشباب إلى أن يصبحوا ناشطين مؤثرين وفاعلين في مجال الإعاقة، عبر تدشينهم حملات مناصرة لقضاياهم في حساباتهم بالسوشيال ميديا، كالتهميش وإهدار الحقوق وعدم تجاوب المسؤولين مع مطالبهم.
وعلى الرغم من ان فضاء التواصل الاجتماعي هو «عالم افتراضي» مشوب بالتعقيد، فإن احتكاك هؤلاء الناشطين مع منتسبيه وتبادل النقاش معهم حوله الى «عالم واقعي» يتسم بالديناميكية وكينونة الحياة العادية. وتنوعت تغريدات أبناء هذه الفئة في مضمونها ما بين معاناة الكويتية التي ترعى معاقاً غير كويتي، وتوظيفهم في وظائف تلائم ظروفهم، وتوفير كراسي متحركة وغيرها من الهموم.
القبس التقت بعدد من هؤلاء ممن أصبحوا نجوما على منصات التواصل، حيث أجمعوا على أهمية الإعلام الاجتماعي في الوصول إلى أكبر عدد من الأفراد والتأثير فيهم من خلال طرح القضايا وبث الرسائل القادرة على إحداث التغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي، وخلق رأي عام حول القضايا والمشاكل المجتمعية.
التفاصيل في الأسطر التالية:

اعتبر الناشط الحقوقي فيصل الشمري، وهو من ذوي الإعاقة الحركية، وسائل التواصل الاجتماعي أداة للتعبير عن الرأي في قضايا مختلفة ومهمة، كالقضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وأنها منصة شديدة الأهمية للمشاركة وتبادل وجهات النظر بين المغردين، ووسيلة للحصول على المعلومات بشكل سريع.
وقال الشمري لـ القبس إن «تويتر» يعدّ متنفسا حيويا للتعبير عن رأي معين في قضية ما، ووسيلة لا غنى عنها لإيصال رسالة إلى مسؤول أو مظلمة الى صاحب قرار، مضيفا أن أغلب ذوي الإعاقة ينشطون في وسائل التواصل من أجل توصيل أصواتهم وشكواهم إلى المسؤولين، لكن للأسف لا يتم التجاوب من قبل المسؤول إلا في القضايا التي تصبح مثار جدل لدى العامة، فيتفاعل معها وكأنه المخلّص؛ لتجنب الإحراج.
وأرجع السبب في دخوله عالم التواصل الاجتماعي إلى تجاهل المسؤولين لمطالب ذوي الإعاقة، مشيرا إلى أنها الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها توجيه أي انتقاد أو ملاحظة معينة لجهة، وتسليط الضوء على مشكلة وطرح الحلول بشأنها.

رسائل ومناشدات
ولم تختلف حال الناشط عيسى هاشم القلاف، وهو يعاني من إعاقة حركيّة شديدة دائمة منذ الولادة، عن غيره من الناشطين في مجال الإعاقة، حيث يعبر عن آرائه الشخصية عن هموم وقضايا أقرانه من خلال تغريداته وتعليقاته عبر تطبيقي «تويتر» و«انستغرام»، والتي تحمل في مضمونها الكثير من الرسائل والمناشدات إلى المسؤولين.
ولفت القلاف إلى اهتمامه بطرح جميع المشاكل التي تخص فئات ذوي الاعاقة والتعليق على بعض القرارات التعسفية التي تصدر من دون دراسة مسبقة، وفق قوله، لافتا إلى أن التهميش وعدم الالتفات إلى مشاكلهم، فضلا عن إهمال حقوقهم، كلها جعلته يتحول إلى ناشط في المجال لمناصرة أقرانه.
ورأى أن وسائل التواصل وسيلة فعالة في التعبير عن النفس وتشجيع المهمشين خاصة، لكي يعبروا عن أفكارهم ويوصلوا رسائلهم وآراءهم إلى أكبر شريحة ممكنة من المسؤولين، أملا في أن يتفقد مسؤولو الهيئة العامة لشوؤن ذوي الإعاقة والمعنيون في المجال، الجهات الحكومية لتلمس المشاكل التي تواجه المعاقين وتوفير حلول جذرية وصادقة لها، وعدم دغدغة المشاعر بقرارات غير حقيقية ولا مجدية.
وانتقد عدم ملاءمة تصميمات مرافق الدولة والمجمعات التجارية لاحتياجات ذوي الإعاقة، موضحا أن المنزلقات الأسمنتية المتوافرة في بعض المرافق غير مطابقة وغير مريحة لأصحاب الكراسي المتحركة، ناهيك عن معاناة الصم من عدم وجود مترجمي إشارة في كل الوزارات والجهات الحيوية لتيسير تواصلهم مع الآخرين.
ودعا الشمري إلى استبدال نظرات يسودها الاحترام والثقة بقدرات ذوي الإعاقة وطاقاتهم وإبداعاتهم بنظرات المجتمع الدونية القائمة على العطف والاشفاق على ذوي الإعاقة، مطالبا بدعم الموهوبين والمبدعين منهم وتأهيلهم نفسيا واجتماعيا لسوق العمل.
ولفت إلى التعسف والتعطيل من قبل وزارة الصحة، وغياب التنسيق بينها وبين هيئة ذوي الإعاقة في ما يتعلق بالإجازات والمرضيات لابناء الفئة، والمعاملة السلبية من بعض الموظفين، منتقدا تعيينهم في أماكن غير مهيأة تفتقد أدنى الخدمات ولا تساعدهم على العمل بشكل مريح.
وأشار القلاف إلى أن الكثير من الجهات لا تضع أي اعتبار لحامل بطاقة الإعاقة، منتقداً العشوائية وعدم التنسيق من قبل جميع الجهات الحكومية والخاصة لتيسير معاملات حاملي بطاقة الإعاقة.

وزارات متفاعلة
ويتفق الناشط علي عبد الكريم، وهو من ذوي الإعاقة الحركية الشديدة، مع الرأي السائد بأهمية وسائل التواصل الاجتماعي في طرح قضاياهم وتوصيل صوتهم إلى المسؤولين، مثنيا على تفاعل بعض وزارات الدولة وتجاوبها من خلال تحركها السريع لاحتواء مناشداتهم وتبني مقترحاتهم.
ولفت عبد الكريم إلى خجل بعض الأسر من ظهور أبنائهم الناشطين من ذوي الإعاقة في مواقع التواصل الاجتماعي لطرح قضاياهم، آملا في تعاون أولياء الأمور مع ابنائهم من هذه الفئة للتعبير عن آرائهم ونقل صوتهم إلى المعنيين.

وزارةٌ لـ «ذوي الإعاقة»

اقترح الناشط الحقوقي عيسى القلاف، استحداث وزارة لذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة، تعنى بشؤونهم وتتولى تحقيق مطالبهم، مطالبا بأن يتولى هذه الحقيبة الوزارية أحد الأشخاص من أبناء الفئة.

تعزيز التقارب

اتفق الناشطون من ذوي الإعاقة على أن شبكات التواصل الاجتماعي نجحت في تعزيز التقارب وتحقيق الدمج المجتمعي، من دون عناء أو مشقة لذوي الاحتياجات الخاصة.