> مقالات

الأوامر التغييرية والعجز في الميزانية العامة

كتب : د.محمد الدويهيس |
الأوامر التغييرية والعجز في الميزانية العامة

علم الإدارة من العلوم الإنسانية والاجتماعية المتجددة والتي تتفاعل مع التغيرات التي يعيشها الإنسان والطبيعة الإنسانية وتحاول الإدارة الناجحة أن تتأقلم مع الظروف والمتغيرات في بيئة العمل لتقليل التكاليف المالية والاقتصادية من ناحية والتأقلم مع الظروف الإنسانية لزيادة إنتاجية وفعالية وكفاءة المنظمة من ناحية أخرى ويحاول الإداري المتميز والمخطط الناجح استشراف المستقبل والاستعداد له وعمل الخطط الاستراتيجية والخطط البديلة اللازمة لمواجهة التغييرات المتسارعة والمتغيرات المتوقع حدوثها في المستقبل ولا يستطيع المخطط ضمان سير الخطط المرسومة وتحققها بدرجة 100 ٪ لأن الأمر ليس علميا صرفا حيث تعمل العوامل الإنسانية المتغيرة دورا كبيرا في درجة تحقق الأهداف المرسومة. وعادة ما يتم اعطاء نسبة سماح وتباين تتراوح ما بين 5 % و10 % بناء على طبيعة المشروع ومدته الزمنية والظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تمر بها الدولة والمتغيرات الاقليمية والدولية التي لها علاقة بالمشروع والتي يمكن أن تؤثر في تأخر أو إنجاز المشروع.
هذه المقدمة لا تعطي تبريرا للأخطاء الإدارية والقصور في تنفيذ وأداء العمل الإداري، ولكن توضح أن هناك مرونة محددة لأداء المهام الوظيفية ونسبة محسوبة لإنجاز الأعمال والمشاريع بالكم والكيفية والوقت المحدد.
ومن الملاحظ خلال السنوات القليلة الماضية تأخر وارتفاع نسب عدم الإنجاز في المشاريع الانشائية على مستوى الدولة مع تعدد الأوامر التغييرية على العقود والاتفاقيات التي تعقدها الأجهزة الحكومية.
فعلى سبيل المثال، زادت مدة التأخير في تنفيذ مدينة صباح السالم الجامعية لأكثر من 15 عاما وتعددت الأوامر التغييرية خلال هذه الفترة لتصل إلى ما تزيد قيمته على 3 مليارات دينار حسب أحدث التقارير الرقابية.
كذلك من المشاريع التي أصابها التأخير وتعدد الأوامر التغييرية جسر الشيخ جابر ومستشفى الشيخ جابر ومشروعا طريق الجهراء وطريق جمال عبد الناصر، بالاضافة لمشاريع المؤسسة العامة للرعاية السكنية وكذلك العديد من المشاريع الانشائية الحكومية التى تقوم بتنفيذها وزارة الأشغال نيابة عن الجهات الحكومية وما يتضمن ذلك من تغييرات في المواصفات والمتطلبات الحكومية وما ينتج عنه من تأخير وأوامر تغييرية متعددة ومكلفة.
وقد وجدت الأوامر التغييرية للتعامل مع المتغيرات والمستجدات في المواصفات الفنية للمشاريع وخاصة تلك التي تتطلب فترة إنجازها مدة طويلة وذلك لمواكبة التغيرات التكنولوجية والفنية والاقتصادية والاجتماعية المستجدة والتكيف معها.
لن أقوم في هذا المقال المختصر بسرد وذكر المشاريع الانشائية الحكومية وما يصاحبها من تأخير في التنفيذ وتعدد في الأوامر التغييرية بشكل شبه شهري في مراحل التنفيذ والإنجاز لهذه المشاريع الكبرى والتكاليف المالية العالية التي تتكبدها الدولة بسبب التأخير والأوامر التغييرية المتعددة لأنه يطول الحديث فيها، ولكن من الممكن أن نستنتج أن أحد الأسباب الخفية والمتكررة كل عام في تضخم الميزانية العامة للدولة وأحد الأسباب الخفية وغير المنظورة في ارتفاع نسبة العجز بالميزانية هو كثرة الأوامر التغييرية وتعددها والزيادة في تكلفة المشاريع الانشائية والتنموية ومخالفات التأخير أو عدم الالتزام بهذه الاتفاقات بالاضافة إلى عدم المتابعة الدقيقة والمستمرة من قبل الأجهزة الحكومية والجهات الرقابية لهذه المشاريع الانشائية والمشاريع الحكومية التنموية الكبرى وكذلك تكلفة القضايا التي تخسرها الدولة بسبب ضعف وتهاون وعدم كفاءة محامي الدولة «إدارة الفتوى والتشريع» والمستشار الفني للحكومة «إدارة ومكتب البيوت الاستشارية والهندسية بالأمانة العامة للتخطيط والتنمية بوزارة التخطيط»، ومستشاري الأجهزة الحكومية وكذلك عدم محاسبة المسؤولين الإداريين والقانونيين والفنيين في الجهات والأجهزة الحكومية عن أسباب التأخير ومشروعية طلب الأوامر التغييرية في هذه المشاريع الاستراتيجية.
وانني اتساءل: أين دور المستشارين والمكاتب الاستشارية الهندسية والفنية والقانونية والإدارية التي يتم دفع مئات ملايين الدنانير لها سنويا مقابل هذه الاستشارات للحد من غرامات التأخير وتعدد الأوامر التغييرية؟ الأمر يتطلب وقفة جادة من الوزارات والأجهزة الحكومية والجهات الرقابية العليا بالدولة لوقف هذا الاستنزاف والهدر للموارد المالية للدولة ومحاسبة المسؤولين عن الهدر الحكومي وتعدد الأوامر التغييرية غير المبررة والتأخير في إنجاز هذه المشاريع الانشائية والتنموية الكبرى في الدولة وكذلك تفعيل دور أجهزه المتابعة والأجهزة الرقابية في الدولة.
ان سوء الإدارة وضعف الرقابة السابقة واللاحقة بالجهاز الحكومي وضعف المتابعة الإدارية والفنية وعدم تطبيق مبدأ العقاب والثواب، أوجد بيئة خصبة لتعدد وزيادة تكلفة الأوامر التغييرية وفرصة لتأخير المشاريع الحكومية الكبرى. فهل نعطي «الإدارة» أهميتها أم نظل نتكبد الخسائر المالية والعجوزات المالية سنة بعد سنة بسبب تعدد الأوامر التغييرية وزيادة تكاليف التأخير في تنفيد المشاريع الحكومية؟
د.محمد الدويهيس



عدد الزيارات : 1881 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق