> مقالات

‏ذكرياتنا ... ‏ وقفة قصيرة مع الذاكرة

كتب : د. نبيله شهاب |
‏ذكرياتنا ... ‏ وقفة قصيرة مع  الذاكرة


‏لكل منا قدرات عقلية أو ذهنية معينة تتفاوت وتختلف من حيث شدتها أو درجتها من فرد لآخر ، وهذه القدرات العقلية بمجموعها تشكل لنا الذكاء العام للفرد. و الذاكرة أو القدرة على التذكر تعتبر من القدرات العقلية الرئيسية والتي لا تتم دونها الا ما ندر أي عملية عقلية أو تفكير .
‏ولذلك هي نعمة من نعم الله علينا ، نحتاجها في كل تفاصيل الحياة ، وكذلك  نجدنا نفرح ونشعر بالسعادة ونحن نستذكر خبرات مفرحة سابقة ومراحل أو فترات من أعمارنا كان يسودها الهدوء وقلة المسئوليات والسعادة لاننا احتفظنا بالمشاعر الإيجابية المصاحبة لكل موقف أو خبرة منها .   
‏والعكس صحيح  وذلك حين  تجعلنا الذاكرة  نستعيد أو نسترجع بعض المواقف أو الأحداث السيئة أو المؤلمة التي مرت بنا  بكل تفاصيلها مغلفة بنفس المشاعر ، ولكن  تتفاوت درجة وضوحها بسبب عدة عوامل .
‏كيفية عمل الذاكرة ليس غريباً علينا فهي تبدأ من لحظة استقبالها للمعلومة أو الخبرة أو (المثير) وتبدأ أولاً: في عملية "تحويل هذه المعلومات إلى رموز يسهل على الذهن تخزينها" ولذلك تسمى علمياً مرحلة (الترميز) وبعد أن يصنفها الذهن أو العقل يقوم ثانياً: بعملية وضعها في مكانها المناسب من مراكز الذاكرة وهي عملية (التخزين) وبعد ذلك ثالثاً: يستطيع في أي وقت أن يستعيدها أو يسترجعها أو يستدعيها ، وهي عملية (الاستدعاء او الاسترجاع) . وعلى الرغم من أننا نحدد درجة قدرتنا على التذكر من سرعة وقوة استرجاعها وتذكرها إلا أن الركيزة الأساسية للاحتفاظ بهذه المعلومة يكون من لحظة ترميزها وهي المرحلة الأولى ، حيث أنه إن لم تصنف المعلومات بالطريقة الصحيحة فان عملية تخزينها سوف تكون خاطئة ومن ثم عملية استدعائها أو استرجاعها تكون غير دقيقة وصعبة . ولذلك مهم جدا أن  تصل المعلومة صحيحة وتصنف بدقة ، ولذلك دلت التجارب على أن الذاكرة لا تقوم بعملها إلا عند النوم وكأنها تتهيء للقيام بعملها بعد أن تكون قد انتهت من استقبال كل المعلومات أو المثيرات ويكون الذهن في حالة هدوء تسهل  عمل الذاكرة. 
‏ 
‏كثيراً مايكون  لنا القدرة على تحديد ما نريد أن نحتفظ به في الذاكرة إلا أن بعض الخبرات القوية تدخل مباشرة دون استئذان وتبقى في مراكز الذاكرة حسب قوتها وشدتها ، على سبيل المثال أغلبنا إن لم يكن جميعنا لا يرغب بالاحتفاظ بالتفاصيل الدقيقة لمواقف مؤلمة أو محزنة أو مخزية وهكذا، لكن شدة الموقف تجعلها تُحفظ في الذاكرة تلقائياً ، أو حينما نرى حادثاً أو شيئاً مؤلماً نجد أنه يبقى في الذاكرة لفترة غير قصيرة بسبب شدة تأثيره.
‏أجمل ما في الذاكرة  أن أول صوت تبدأ في تخزينه هو صوت .. الأم .. ولذلك يتعرف الوليد على صوت الأم بعد ولادته مباشرة ويلتفت اليه ويتبع هذا الصوت ، وبذلك يكون الصوت هو أول مؤشر يستطيع الطفل من خلاله التعرف على الأم ، يتبعه الرائحة وهي تحديدا رائحة حليب الأم  وبعد ذلك من ملامح وجهها ، وكل ذلك يكون بعد أن خزن واحتفظ أولا بنبرات صوتها ثم برائحتها  ثم بتقاطيع وجهها.
‏وذلك يقودنا الى التساؤل الذي يطرح نفسه ، هل تتكون الذاكرة من مرحلة مبكرة بعد الولادة؟؟
‏علمياً دلت التجارب على أن الذاكرة تكون قادرة على القيام بعملها منذ الشهر الخامس للمرحلة الجنينية أو ماقبل الولادة وتستمر في النمو والتطور. 
‏وكما بدأت في التطور مبكراً نجدها تبدأ في الانخفاض قبل القدرات أو العمليات العقلية الأخرى ، وليس العمر وحده مسئولا عن ذلك بل أيضاً ظروف الحياة وكثرة المسئوليات والأمراض التي يتعرض لها الفرد خلال حياته جميعها بالإضافة الى التقدم بالسن أسباب تؤدي الى انخفاض الذاكرة بصورة تدريجية.
‏الذاكرة نعمة أو أقل من ذلك ، والذكي منا من يستطيع أن يجعلها نشطة دائماً ، مليئة بالمعلومات والخبرات الايجابية المفيدة . 
‏وللحديث بقية باذن الله .. 
‏د. نبيله شهاب
‏ns_sunshine4

عدد الزيارات : 2577 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق