> مقالات

زرعنا الشوك بأيدينا ونحصده الان

كتب : غادة الرفاتي |
زرعنا الشوك بأيدينا ونحصده الان

زرعنا الشوك بأيدينا ونحصده الان
بقلم غادة الرفاتي 
الولايات المتحدة الامريكية - شيكاغو .

الناس من جهة التمثيل أكفاءُ 
أبوهمُ آدمٌ والأم حواءُ 
نفسٌ كنفسٍ وأرواحٌ مشاكلةٌ 
وأعظمٌ خلقت فيهم وأعضاءُ  
فإن يكن لهم من أصلهم نسبٌ 
يفاخرون به فالطين والماءُ
**********************
منذ الطفولة وأنا أسمع كلمات من حولي سواءا كانت عن قصد او غير قصد ولكن  جميعها تؤدي الى زرع بذور العنصرية والى الاستعلاء و الاستكبارعلى جميع الخلق واحداث الفروق بينهم على أساس العرق والدين واللهجه  واللغة ... و الشيء الوحيد الذي فهمته وأدركته منذ نعومة اظافري أنني فلسطينية الاصل  فهذه ميزة لي  لذا لا بد لي أن افتخر وأن يكون على رأسي ريشة لاننا شعب الله المختار وليس المحتار بين شعوب العالم ... وهذا الشيء لا ينطبق فقط على الفلسطينيين وحدهم بل على شعوب كل الاوطان العربية وأساسها التربية المنزلية والبيئة المجتمعية  ... فكل فرد من كل قطر عربي يعتقد أنه  ميزة وأنه من شعب الله المختار وكل الشعوب العربية الاخرى من الدرجة الثانية او الثالثة في المقام معتقدين أنهم هم الافضل من بين الشعوب  العربية الاخرى لذا  لا بد من زرع بذور " الانــــا" بالنسبة لابناء الوطن الواحد او بمعني آخر كأن تكون انت وابناء وطنك من سلالة السلاطين والامراء و الاخرين من ابناء الوطن العربي ما هم الا ابناء الخدم والجواري والعبيد .. .. وسأسرد شيئا من ذاكرتي أثناء طفولتي, كنا في كل عام نقضي صيفنا في الاردن ،كان ينتابني الشعور بالخوف في كل مرة أسافر بها للاردن وسبب ذلك أن النسوة  هناك كُنّ يُخوِفنني  وأنا طفلة ويحذرننّي من الاقتراب من فزيعة ريــــا  وسكينـــة خاطفات الاطفال، ووصف هذه الفزيعة هي امرأة تلبس المَدرَكة اوثوب اسود وعلى رأسها عصبة مربوطة أو حطة ووشمٌ على الوجه بحجة انهن يخطفن الاطفال  ,فأياكي ثم أياكي يا صغيرتي الاقتراب من احداهن, فكان الخوف يعتريني كلما رأيت وا حدة منهن في الطريق او في سوق وغيره من الاماكن العامة وما أكثرهن هناك فكنت كلما رايت واحده منهن اهرب نحو أمي ممسكة بيدها وبعد ان كبرت عرفت ان من يلبسن هذا الزي هن نشميات الاردن ولسنا ريــا وسكينة خاطفات الاطفال وأنهن لا يختلفن عنا فهن اخوات وامهات وقلوب صافية نقية بيضاء , وأنا أردنية وهُن أردنيات ولكن يختلف فقط اللباس أي المظهر الخارجي واللهجة ... أما في الكويت فلم يكن  الموضوع مختلفا وهو عدم الاقتراب من اي امرأة تلبس البرقع والعباية السوداء لانها تخطف الاطفال... وللكويت طبيعة مختلفة في التركيبة السكانية فالمواطنين الكويتيون يسكون الفلل والبيوت في مناطق معينة  خاصة بهم والوافدين والمغتربين يقطنون مناطق سكنية وهي عبارة عن عمارات وشقق وبالتالي من يسكنها سيكون من الاخوة العرب الوافدين من أجل العمل .
 ومن يسكن في احدى البنايات لابد أن يلاحظ  التمييز العنصري بين الجيران في البناية الواحدة  فالمصري يصاحب المصريين والسوري يصاحب السوريين و كذلك الفلسطيني والعراقي وغيرهم من جنسيات الوطن العربي، فكونّا تحالف و جبهات حربية ضد بعضنا البعض  فمثلا ان تشاجر ابن الجيران السوري مع ابن الجيران المصري فاعرف ان كل السوريين  في البناية في شجار مع كل المصريين في نفس البناية وربما تطور ليصل البنايات المجاورة  حتى اخر الشارع وينحاز الجميع كلٌ الى جهة افراد بلده وتبدأ القطيعة .أما اذا كان هناك ( هوشة مع كويتي ) حينها يلتم الشامي على المغربي متفقين مع بعضهم البعض  ضد الربع الكويتي وفي بلده ... وبذلك تتعلم كيف أن تكون عنصري وتنحاز الى ابن بلدك او طائفتك  سواءا كان على حق او باطل ،وللاسف لم يُزرع فينا  أن نحب بعضنا البعض كوننا اخوة واخوات ابناء دين واحد ولغة واحدة وأن جلدتنا واحدة و أننا امة عربية برغم اختلاف التضاريس وخطوط الحدود واللهجات.... فغدونا بعنصريتنا تجاه بعضنا البعض كجبال راسخات عاليات يصعب ازالتها عبر الاجيال وذلك بفعل التربية والنشأة في كل بيت واسره المبنية على العنصرية تجاه الاخرين. 
وعندما تكون بوطنك بدون غرباء حولك فبالطبع سوف تلاحظ العنصرية الكريهة بين ابنائه فهذا فلاح والاخر مدني وهذا حضري والاخر بدوي وعندما تكون بين افراد قبيلتك أو عشيرتك فسيكون التفاخر والتفاضل بالسؤال من يكون 
أبيه ومن يكون جدّه وهكذا دواليك ولن تنتهي، الشعور بالتفاخر والتباهي والتفضيل على الاخرين عنصر اساسي بتركيبة  شخصية الفرد العربي والتعامل مع الاخرين بطريقة دنيوية هابطة موجوده في صميم القلب والعقل والفكر..... ولم نأخذ بتاتا بقول رسول الله الكريم
(يا أيها الناس: إن ربكم واحد، و إن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي  و لا عجمي على عربي، و لا لأحمر على أسود  و لا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، "إن أكرمكم عند الله أتقاكم) 
(لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه)
 (المؤمن من سلم الناس من لسانه ويده)

 فلا عجب أن نكون امة متفرقة ضعيفة مصابة بسرطان التمييز العنصري والطائفية البشعة والتمييز كل حسب بلده وعرقه وحسبه ونسبه.
 اليس الافتخار أنك من بلد معين او منطقة معينة شيء مقرف مقزز وكأن بقية خلق الله هم من أراذل الناس.... لنطبّق  قول فرعون " هم اراذلنا بادي الرأي فينا".
ثم بعد ذلك نضحك على انفسنا بعد كل عملية تفجير وقتل ودمار  ونبدأ نسأل أنفسنا باستغراب من أين اتي الارهاب الديني والمذهبي بين  شعوب الوطن العربي والاسلامي وكيف وصلنا الى هذا الحجم الهائل من التفتت و التشتت بين ابناء امتنا ومن ثم ندافع في كل القنوات الفضائية من برامج وصحف محلية وعالمية 
قائلين ان هذا التطرف ليس من الاسلام بشيء ونتهم الغرب وأيادي خفية... والواقع أننا نتغابى عن قول الحقيقة ان الارهاب والتطرف نتيجة التربية  الخاطئة للعنصرية والتفاخر الذي زرعه بنا الاجداد عبر الازمان ونتوارثها جيلا بعد جيل حتى أضحت جزء من شخصية الانسان العربي المسلم وجزء من جيناته الوراثية أينما ذهب و حل في الشرق او في الغرب.
فلا نضحك بعد اليوم على انفسنا ونحمل شعارات مكتوب عليها  
لا للاضطهاد 
لا للتمييز
لا للعنصرية 
لا للطائفية 
لا للارهاب 
زرعنا الشوك بأيدينا ونقطف ثماره الان.

عدد الزيارات : 2280 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق