> مقالات

رسائل الوتس آب وخدعة المعرفة

كتب : د.اميره الحسن |
  رسائل الوتس آب وخدعة المعرفة

مع تطور الهواتف الخلوية المعروفة باسم موبايلات تغيرت وظيفة الهاتف المحمول من جهاز يستقبل الاتصالات الهاتفية إلى كاميرا الكترونية كبيرة السعة ودقة العدسات تمكنك من تلقي الاتصالات، بل انه تعدى ذلك بفضل تطور تقنية النانو ليصبح كمبيوترا جيبيا يستقبل الرسائل الالكترونية والملفات الالكترونية (بي دي اف – باور بوينت – اكسل – أني ثنق! نيم إت!!). بل ان الامر تعدى ذلك ليصبح وسيلة مراقبة للمنزل عندما تكون في مكان بعيد وذلك عندما يتم شبك كاميرات المراقبة الامنية عبر الانترنت مع الهاتف ، واصبح ايضا بامكان كل فرد تجنب كوارث الحريق عند وضع راصد حراري وراصد للدخان في المنزل/المكتب مربوط بالانترنت مع الهاتف النقال وعند حدوث أي خلل يتم تنبيه صاحب المنزل ليتصل بالمطافيء بالحال!! وأيضا في حال الام العاملة يمكنها مراقبة الرضيع عبر كاميرا راصدة تنقل لها بالصوت والصورة اوضاعه عندما تكون في مكان بعيد عنه.
إذا.. ما الغرض من هذه المقالة المزعجة؟
الحقيقة أن خدمات الهاتف المحمول قد تطورت بشكل مذهل ومن ضمنها خدمة رسائل الوتساب ( whatsapp ) التي اتضح انه يفضلها العرب بصورة عامة والكويتيون بصورة خاصة وهو محور حديثي لهذا اليوم. ان جمهور متلقي رسائل الوتساب هو من المتعلمين وليس منهم أميا بالقراءة والكتابة أو أميا باستخدام الموبايل. ولذا صعب أن تصدق بأن هذا النوع من الجمهور يصدق كل ما يصل اليه من معلومات مغلوطة وفيديوات مليئة بالاسفاف والتهويل . فمثلا شاهدت  رجل دين يهذي بمعلومات يظن انها علمية بينما هي في أتون الجهاله ويدعي احتواء البطاريات الجافة على مواد مشعه! كيف وهي تحتوي على فحم وخارصين؟ وآخر يدعي بأن اصل تسمية مدينة سان خوسيه هو اسم الحسين، مع العلم أن خوسيه هو الترجمة اللاتينية ليوسف. وتعدى ذلك للأدعية التي نجرأ بالقول بأن بعضها غير دقيق وقصص تنسب للرسول عليه الصلاة والسلام وهي في واقع الأمر واردة في عهد رسول آخر! نعم ، فمعظم الجمهور المتلقي لا يعمل عقله ويعتمد على كون المعلومة صحيحة مائة في المائة ولا يرغب أساسا بقراءة كتاب علمي موثوق وليس كتاب علمي من (إياهم) للتأكد من صحتها لأنهم ببساطة ليسوا بباحثين علميين! السيء بهذه الرسائل كونها تتلف الدماغ على المدى البعيد فتجد رجلا رزينا وذو منصب ومحترم قد تحول عبر الأيام الى انسان تافه لسبب غسل هذه الرسائل لدماغه عبر الأيام وفق المنهج الخفي. وهذا التأثير أيضا ملاحظ على معشر النساء اللاتي يتلقين رسائل الوتساب ويعدن ارسالهن للستة الاصدقاء.. وتشمل أكوام الرسائل معلومات عن علاجات ما انزل الله بها من سلطان ورجل متزوج جنية منذ ثلاثون عاما ورجل دين مقبوض عليه مع بغية في غرفة خلفية ونساء يرقصن دون حياء ولا خجل، وطفلة تعاتب والدها لكرشته التي أحرجتها أمام زميلاتها في المرحلة الابتدائية أو الروضة وعلاجات الثوم بالعسل والرقية وسحلية ترقص وببغاء يصلي وثعبان يزحف بذعر بعيدا عن أرنبا شجاعا، الخ. الخ.الخ!!
وبعد، لقد تعرضت شخصيا للعديد من المواقف المحرجة بسبب سؤال أحدهم/إحداهن لي ان كنت شاهدت رسالة وتساب بعثوها لي فأجبت بالنفي والسبب ان معظم رسائلهم السابقة كانت لا تحمل صفة الأهمية. ولكني فعليا أحس بالاجرام الحقيقي لاني لم اتابع رسائلا تضمنت اعلان ولادة أو مرض أو وفاة قريب من الدرجة الاولى لزميله/ زميل في قروب وتساب يضج بمئات الرسائل الاعتياديه.. على ان "قروبات الوتساب" تتنوع ما بين تلك المرتبطة بعمل جاد ومجموعات الجارات المتفرغات ومجموعة متقاعدات العمل السابقات فضلا عن مجموعة تكتلات السفر عبر البحار وغيرها الكثير الكثير.. ولكن ويا للأسى لا تصلني رسائل من المقربات والمقربين إلى قلبي إلا في القليل النادر وهذا هو ديدن الحياة.. تعطيك الكثير من العطايا البسيطة والقليل من العطايا المميزة حتى تقدر قيمتها!
آخر نقطة سلبية ومزعجة هي ان هذه الرسائل سببت ادمانا لمتلقيها بحيث اصبحوا في وادي غير هذا الوادي! ففي التجمع الاسري يهمل الأحفاد الجدات والاجداد بعيونهم الشاخصة على الرساله، والزوجة تهمل زوجها أو أبناءها واضعة أهمية أكبر لهذه الرسائل! ووصل الأمر بأن يهمل سائقي السيارات العالم الحقيقي فيضطر الناس لتنبيههم عندما تتحول اشارة المرور إلى اللون الآخضر .. وهنا زاد التلوث الضوضائي في الشارع، وكأننا بحاجة لمزيد من المشاكل البيئية!!
وفي الختام لا يسعنا الا تقدير أهمية هذه التكنولوجيا التي سهلت الكثير  من أمورنا الحياتية آملين بأن يمل الناس عبر الايام من كثرة الرسائل عديمة الجدوى ويتصرفون مع هذا السوفتوير بطريقة طبيعية فيضعونه في خانته الحقيقية: أداة لتلقي الرسائل المهمة جدا أو المتوسطة الأهمية!
ودمتم سالمين
د. أميرة الحسن
6 مايو 2017م

عدد الزيارات : 1686 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق