> مقالات

هل الشر خير؟

كتب : د.اميره الحسن |
هل الشر خير؟

منذ أن تفتح عينا بني آدم على الدنيا وهو يقسم الأمور مابين خير وشر ويتفاعل معها ، فالرضيع يبكي من الجوع أو الألم أو من ضيقه من حفاظته، الخ. ويضحك إن شبع من الحليب واكتفى! .. واليافع يرى الشر في الكذب أو السرقة أو الجرائم المتعارف عليها بينما يرى العجوز الشر في نكران أبنائه لجميل تربيته لهم وترى الموظفة الشر فيما يحدث في مكان عملها من غيبه ونميمه! وقد ترى الراقصة عملها خيرا لأنها تكد وتكدح وتعيل أهلها بينما قد يراها الآخرون كمعول هدم لقيم المجتمع!
فهل الشر شر أم أن الشر خير أم أن كلاهما خير؟
أذكر من طفولتي قول والدي بأنه "لا بد من الظلم لتحقيق العداله!" وقتها صدمت من كلامه ولكن شدتني الفكرة لمعرفة الدليل على ادعائه. فسألته كيف؟
قال لي: على فرض أنه حدثت جريمة قتل في منتصف النهار، وكان القاتل مجهولا. كيف ستتصرف الشرطة في هذه الحالة؟
انهم سيرسلون قواتهم المدربة إلى جميع منازل المشتبة بهم ويطرقون(يكسرون) الأبواب مما سيلفت انتباه الجيران وسيعقب ذلك جرهم للتحقيق وربما سجنهم الليل كله في زنزانات مكدسة بالمتهمين وحرمانهم من لذيذ النوم بهدف جعل "أحدهم" يعترف بجرمه! انظر كيف أن عشرة افراد بريئين سيتعرضون للظلم من أجل كشف مجرم واحد. وفي نهاية التحقيق سيعود الجميع إلى بيوتهم شاعرين بالمهانة والذل ولكن لكون أصابع الاتهام تشير اليهم كان لابد من اتخاذ هذه الاجراءات الصارمة معهم كي تتحقق العدالة للقتيل!
وفي الدين الاسلامي الحنيف يلتزم الزوج بمعاملة زوجته باحترام وفق قواعد الدين ولكن ان عصته فله أن "يضربها ضربا غير مبرحا"! ويرى أعداء الدين هذا العقاب مجحفا بينما يشرح رجال الدين طبيعة العلاقة الزوجية السليمة المبنية على الود والاحترام والخالية تماما من التعنيف أو حتى تبادل النظرات! ولذا ولمجرد أن "يربت" الرجل على كتف زوجته في غضبه سيكون هذا اكافيا لاستنفارها وفهمها.
وفي الحياة العادية يرى دعاة المحافظة على البيئة أن قطع الأشجار مضره وشر للأرض وللأجيال القادمة بينما يرى قاطعي الشجر أن الاحتطاب شر لابد منه لاشعال النار وطهي الطعام والخبز والتدفئة ، الخ.
ويعد احتراق الغابات تدميرا للحياة يقع فيه المئات من الضحايا ولكن هذه الكارثة البيئية سترفع من خصوبة التربة لمئة عام قادم حسبما اثبتت الأبحاث والدراسات العلمية! ونتيجة للاحتباس الحراري تزايد ذوبان الثلوج في الفريزرات العملاقة في القطبين ونتجة لذلك انكشفت اسرار جديدة في الطبيعة كان من ابرزها جريمة قتل (أوتزي) في الجبال مابين سويسرا وايطاليا!
وماذا عن الحروب التي تشرد الناس وتقتلهم وتدمر الحرث والنسل وقد ترافقها مجاعات كما شاهدنا في الماضي ويحدث حاليا؟
الواقع أن جميع الحروب في العالم هي نوعان: إما عدوان أو رفع عدوان.
ولنستعرض مثالا حقيقيا للعدوان: عندما هجم المغول وهم مله ليس لها دين على العرب ودمروا وحرقوا واستوطنوا بعض الديار. ثبت تاريخيا أن قوات المغول الغازية تحولت عبر الزمن إلى الدين الاسلامي متأثرة بالمجتمعات التي غزتها. بل أن هناك مقالات تاريخية حول اتفاق المغول مع الحملات الصليبيه بعدم التعرض للأخوان المسيحيين في بغداد وغيرها من الديار! تخيل مدى العدوان على العرب من قوتان متحالفتان! ولكن تمعن بالنتيجة: هاجر قسم من الناس من بغداد إلى الفلبين هربا من المغول وهناك تأثر السكان الأصليين بسماحة العرب وتحولوا من وثنيين إلى مسلمين. 
تعال إلى شر من نوع آخر! قد تجد شابا أو شابة يموتون بسبب المخدرات أو عبور اشارة مرور حمراء ويصدف أن يكون الضحية ابنا لمسؤولا كبيرا فيستنفر الأب المكلوم ويطور قوانين مكافحة تجارة المخدرات أو عبور الاشارة الحمراء.. فلكل مصيبة ردة فعل!
وفيما يتعلق بالأمراض المهلكة ماتت سيدة بريطانية اشتهرت عبر برنامج ( Big Brother ) في عمر ال27 نتيجة لسرطان الرحم فتغيرت قوانين الدولة حيث أن الفحص لهذا المرض كان الزاميا لعمر 40 فما فوق ولكن بعد وفاتها نزل سقف العمر للعشرينيات! وقتل مجرما طفلا بعد الاعتداء عليه وكان قد تعرف عليه عبر الشبكة العنكبوتيه فتغيرت القوانين وتم وضع راصد لمتصفحي المواقع الاباحية الخاصة بالاطفال للتوصل لهم ( Pedophiles).
لاحظ أن هذا المقال لا يشجع على ارتكاب أي مخالفة أو شر بحجة أنه قد يؤدي لخير مصطنع من مثل حمل يؤدي لزواج مخفر أو اسرق بنكا فتتشدد الحراسة عليه أو اسرق مجموعة آثار لتحافظ عليها من تكسير أعداء الأثار والأصنام!! ولكنني أدعي بأن الخير والشر هما قطبا الـين واليان في الطبيعة الضروريان لكي يتساوى كفي الميزان: في كفه كيلو ذهب وفي الكفة الثانية كيلو نحاس! وكلا الكيلوان يؤديان لوظيفة أساسية في الحياة مهما اختلفت أثمانهما!
يبقى أن نقول في النهاية بأن علينا عدم التسرع في الحكم على ظاهر الأمور ، فرب ضارة نافعة.

د.اميره الحسن
9/2/2017

عدد الزيارات : 2475 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق