> مقالات

يا ماااااال الشام يالله يا مالي

كتب : غادة الرفاتي |
 يا ماااااال الشام يالله يا مالي

 يا ماااااال الشام يالله يا مالي 
بقلم غادة الرفاتي 
الولايات المتحدة الامريكية 


كلما جلست مع نفسي قليلا لاستريح من صخب  الحياة وضجة العمل  تنقلني ذكرياتي  عبر نافذه الماضي لأحدق في لوحات الزمن الجميل واسترجع ذكريات جميلة مرسومة بيد فنان أصيل مبدع  لأنفض عنها غبار هذا الزمن المليء  بآهات وأنين وبكاء ودماء الابرياء حتى جعلتنا نتحسر على زمن الانظمة الثورية والدكتاتورية لانها تبدوا وكأنها أرحم ممن نحن عليه الان ومما نعيشه ونشاهده او حتى نسمعه عبر محطات وقنوات الاخبار ... استرجعت عبر نافذتي ذكريات كنا قد تعودنا عليها كأسرة كانت تعيش بالكويت وفي كل صيف لا بد لنا من السفر برا من بلدنا الذي احببناه بكل صدق وتعودنا عليه كما تعوّد الطير على عُشه وهي الكويت مهاجرين كهجرة الطيور في فصل الشتاء االى بلدنا الثاني مهجة القلب والعين وهي الاردن العزيز مرورا بالعراق ومدنها كالبصرة وكركوك وبغداد والرطبة و الرمادي , كنت في ذلك الوقت طفلة صغيرة ولكنني ما زلت اذكر شط العرب و نهري دجلة والفرات وأشجار النخيل وكأنها مآذن طول الطريق حاملة عناقيد البلح تلمع مع اشعة الشمس وكأنها صفائح وقلائد وخيوط من ذهب لينطبق في وصفها قول الشاعر 
رى شجراً في السماء احتجب ---- وشـق العنــان بمرأى عجب أ
مــآذن قامـت هنــــــا وهنــاك --- ظواهــــرها درج من شـذب
ما زال مذاق اللبن الصافي من مطاعم البصرة في فمي ورائحة الهيل والقهوة من فنجان ابي تملأ اجواء سيارتنا 
وما زلت اذكر حبات التمر وعنقود البلح في يد جدتي تأكل منهم طول الطريق.
كان صوت ناظم الغزالي يرافقنا طول السفر الذي كان يستغرق تقريبا يومان وأمي مع أبي يغنيان معه دون ملل 
فوق النخل فوق يابه فوق النخل فوق 
مدري لمع خده يابه مدري القمر فوق 
والله مااريده باليني بلوه
كنت دائما أنظر عبر نافذه السيارة وأعد اشجار النخيل وأنظر الى مياه دجلة و الفرات على جانبي الطريق وشط العرب وأعد القوارب والمراكب سواءا كانت واقفة ام تسير في منتصف النهر  ... وكان أبي رحمه الله يحب الاستراحة عند شط العرب وبين مطاعمه ليأكل من مشاوي السمك وخاصة الصبور ومن الكباب العراقي ومن خبز التنور ويغتسل بماء نهر دجلة او الفرات ليتوضأ للصلاة ومن ثم يغازل ويداعب امي قائلا " قل للمليحة بالخمار الاسود ماذا فعلت بناسك متعبد "..
كنا نستمع أحيانا  لبعض من الشباب   يغنون  على الضفاف عازفين على العود والكمان بمواويل عراقية حزينة وببحة دجلة والفرات .
وبعدها استغرق في نوم عميق بقية الطريق   لاصحو على صوت امي  فرحة قائلة يا أولاد لقد  وصلنا الاردن فافتح عيني  لأجد أننا أمام نقطة التفتيش و امام لوحة مكتوب عليها المملكة الاردنية الهاشمية ترحب بكم ورجال التفتيش هناك مرحبين بنا مبتسمين قائلين "هلا والله "... ويزداد قلبي فرحا عندما أجد أننا  قد وصلنا فعلا بيتنا الذي يقع في أعلى الجبل محاط بأشجار الزيتون والتين والمشمش وكروم الدوالي ورائحة الريحان و  الفل والياسمين تملأ المكان.
وفي كل ليلة من ليالي صيف الاردن اسهر فوق سطح منزلنا كي اعد النجوم التي تزين سماء الاردن او أٌعد الانارات والاضوية في بيوت ومساكن الجبل المقابل لنا  كي أعرف كم بيتا سهران معنا... كان العد هو لعبتي وتسليتي المفضلة وفي الصباح كنت انتظر ابو النعمان يجر عربايته لاشتري منه عرنوس ذرة.... وقبل موعد رجوعنا الى الكويت  لا بد أن يكون لنا سفرا آخر ولمدة ثلاثة ايام فقط الى الشام او دمشق  لزيارة المسجد الاموي وسوق الحميدية  ،كنت دائما أسمع أبي يردد طول الطريق بالسيارة اثناء سفرنا ( يا مالي الشام يالله يمالي طال المطال يا حلوة تعالي ).وكأنه بترديده هذه ا لاغنية أراد أن يغازل حبيبته ومعشوقته دمشق بالشوق والحنين لاجوائها وأسواقها وأماكنها الاثرية والترفيهية .... كان أبي رحمه الله يحب الاستحمام في حمامات دمشق القديمة والمشهورة بها ليعيش العصر الاموي وايضا كان يحب الجلوس في مقاهي سوق الحميدية ويشرب الارجيلة ويأكل بوظة بالفستق الحلبي والمستكة او يشرب السحلب وأمي تبحث وتفتش بين التحف الاثرية والنقش  وتشتري المكدوس والزهورات الشامية وزنود الست وكرابيج حلب او بلح الشام وعش البلبل كهدايا لاحبابنا في الاردن والكويت  . 
   ومن ثم نعود أدراجنا الى الاردن كي لا تفوتنا حفلات جرش... وكم كنا نستمتع كل عام بفرقة  الدبكة المعانية وبعزف موسيقى القوات المسلحة الاردنية  .... وسريعا ينتهي الصيف ونعود أدراجنا الى الكويت والى خليجها العربي مرددين طول الطريق ( أنا رديت لعيونك أنا رديت ولج حنيت مثل ما يحن حمام البيت يا كويت )  ليبدأ العام الدراسي الجديد وتبدأ قصة عشق بذكرياتها الجميلة للكويت والعراق والاردن والشام .... 
يا ترى هل ستعود هذه الايام من جديد ام فقط كتب علينا أن نغني 
يا مال الشام يالله يا مالي طال المطال يا حلوة تعالي 
ونتبعها بفوق النخل فوق يبه فوق النخل فوق 
هذه الذكريات الجميلة بالكويت والعراق والاردن والشام لن تمحيها السنين والايام ولن تمحيها 
افعال المجرمين الارهابيين بل تزيدنا حبا وشوقا وحنينا ودعاءا بأن تعود أيام زمان وأن يعود الماضي الجميل ونرجع من جديد نأكل بلح الشام في سوق الحميدية ونشتري المن و السلوى من اسواق بغداد ولا بد أن يعود يوما ما الامن والامان ونزرع الامل من جديد ، ولن أقفل شباك الذكريات بل سأبقيه مفتوحا ما دمت حية وسأبقي صلاتي ودعائي لي ولكم بأن يتحقق حلم كل شريف على هذه الارض وأن 
نزور القدس مدينة السلام وأن نصلي في المسجد الاقصى وقبة الصخرة وأن نزرع شجر الزيتون في كل مكان ليكون عنوان السلام وترجع فلسطين لاهلها وأصحابها ففلسطين عربية عربية عربية تصدح مآذنها بالله أكبر . 
...................
رمضان مبارك وتقبل الله طاعاتكم

عدد الزيارات : 4806 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق