> فن وثقافة

نقطة تحول ... نورا عبدالله


نقطة تحول ... نورا عبدالله


تيك.. توك.. تيك.. توك..
اصبح المكان مملوءاً بأصوات عقارب الساعة التي خيلت للجميع انها اصوات اَلات صاخبة تثقب طبلة الأذن من إزعاجها!!..
فهنا من يعظ علي شفتيه من شدة التوتر.. وهناك من يمسح جبينه الذي أصبح يلمع من كثرة العرق..
حتي الهواء أخذ نصيبه من التوتر وأصبح جافاً وشديد الحرارة، كأن كل ذرة منه مغلفة بالجمر!!.. 
ولم تكن عناصر المكان وحدها سبب هذا التوتر، بل يكفي عبارة "غرفة العمليات" المعلقة أعلي الباب التي كانت سبباً لوجود أكثر من عشرة أشخاص في ممر ضيق لا يكفي سوي لمرور سرير واحد لنقل المريض!!..
وبينما كان الجميع بنتظر خروج الدكتور وسط هذا الجو المرعب.. قطع هدوئهم خطوات أحد القادمين قائلاً:
-ألم تنتهي العملية بعد ؟..
انتظر الشاب عدة ثوان ولم يجيبه احد.. لم تأتيه أي إجابة سوي شهقات بكاء عالية وعيون باكية، حتي أنه يكاد يسمع صوت الدموع وهي تنساب علي وجوههم... إن كان للدموع صوت!!..
بعد مرور حوالي دقيقة من الصمت تقريباً كرر الشاب سؤاله بصوت أعلي:
-هل سيجيبني أحد منكم؟زز اخبروني هل انتهت العملية أم لا؟..

أجابة أحد الأشخاص صارخاً:
-بعد كل الذي فعله لك الجرأة أن تأتي هنا وتتكلم؟.. والدتك علي وشك الموت أيها الأحمق.. أنت الذي سببت لها كل هذا.. والآن تريد ان تسأل عنها هكذا بكل بساطة؟.. اخرج من هنا أيها القذر.. لم تعد ابني بعد الآن!!
تدخلت أخت ذلك الشاب محاولة تهدأة الموقف..
-أبي أرجوك اهدأ.. لا وقت للصراخ الآن..
ازدادت نبرة الوالد غضباً بينما كان يقول:
-اسمعني أيها المعتوه.. إن حصل لوالدتك شئ ستكون أنت السبب.. يكفي أنك سببت لها نوبة قلبية حادة والجميع هنا بسببك!!..
انصدم الشاب قائلا:
-مـ.. ماذا؟؟!!.. نوبة قلبية؟؟.. كيف حصل ذلك؟؟.. وكيف أناسببت لها تلك النوبة القلبية؟؟!!
غرق المكان في الصمت مرة أخري قبل أن يقول الشاب في توتر: 
-أرجوكم أجيبوني.. أنا لا أتذكر الكثير...
أخذ ينظر حوله يميناً وشمال منتظراً الإجابة حتي لو كانت من الحائط!!.. لكن لا أحد يجيب عليه.. لا أحد يملك طاقة كافية ليفتح فمه وينطق بحرف.. فالجميع مشغول في بكائه متجاهلاً ما حوله.. ولم يستطع ذلك الشاب كتم دموعه .. حيث سقط باكياً وأخذ ينحب كلما ظهرت تلك الصور في عقلة...
فما زالت بعض تفاصيل الحدث المؤلم تغوص في ذاكرته.. عندما عاد من المنزل في ساعة متأخرة من الليل بعد سهرة قضاها مع أصحاب السوء.. حيث كان تحت تأثير كوكتيل من المخدرات والخمور وكان فاقداً الوعي تماماً.. ومازال ايضا يتذكر تلك اللحظة.. عندما وجد والدته جالسة علي الأريكة تصارع النعاس طوال الليل فقط لتنتظر عودته!!..
وعندما سألته عن سبب تجاهله اتصالاته صرخ بوجهها ودفعها بقوة بمشاعر جامدة غير مكترث بدموعها المتساقطة!!..
يا لها من مفاجأة بشعة تسبب القشعريرة لكل من سمعها أو رآها!!.. فلم يتصور ذلك الشاب يوماً أنه سوف يأتي ويفعل كل ذلك دون وعي..والأسوأ من ذلك أنه لم يعلم بما اقترفت يداه من جريمة إلا بعد حدوثها!!.. لكن لا ينفع الندم بعد الألم... لا تنفع دموعه التي بللت وجهه تماماً.. فهو الان يصارع المجهول بأضعف قوة يمتلكها.. والمرعب أكثر أن أي سوء سوف يصيب والدته سيكون هو السبب فيه !!..
وبينما كان الجميع يمطر دموعاً وسط الجو الرهيب قطع الصمت صوت باب غرفة العمليات عندما فتحه الدكتور قبل ان يقول:
-لقد نجحت العملية ووالدتكم بخير الان.. يمكنكم رؤيتها بعد قليل..
ما أن قال الدكتور جميله الأخيرة حتي بدأت الأفواه بالصراخ..
فهناك من صرخ لا إرادياً بسبب صعقة المفاجأة، وهناك من تحولت دموعه إلي دموع الفرح.. أما ذلك الشاب فقد كان كلام الدكتور كافياً بأن يفقده الوعي مرة أخري بسبب الصدمة..
وبعد عدة أيام خرجت الوالدة من المستشفي وأقامت العائلة وليمة كبيرة، وحضر ذلك الشاب بعد أن تسامح من أهله وابتعد عن أصدقاء السوء والسهرات الصاخبة.. وعندما ادرك الشاب كيف يمكن للحظة واحدة أن تغير حياة الأفراد بالكامل وتختم القدر بنقطة تحول!!


عدد الزيارات : 1791 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق