> مقالات

دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ

كتب : غادة الرفاتي |
دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ

بقلم غادة الرفاتي 
الولايات المتحدة الامريكية 

يعيش الانسان العربي عنصرية كبرى في بلده او ربما في بلد عربي اخر اضطر للعيش به من أجل لقمة العيش فيطلق عليه اسم اجنبي او وافد ..... فالعنصرية في أوطاننا العربية متعددة الشكل واللون فلا تقتصر على التمييز بين  البشرة البيضاء والسوداء بل تعداه واصبح جزء من شخصية وتركيبة الانسان العربي ذكرا كان او أنثى لنميّز ونفرق على اساس العرق والدين ونفرق  بين  القبائل والعشائر والعائلات، بين الحضري والبدوي وبين فلاح ومدني وبين سني وشيعي وعربي وأعجمي وبين غني وفقير ليكون اساس تكوين مجتمعاتنا على طبقات وفئات ( فئة أ ،فئة ب ، فئة ج وهكذا ... الخ.)  وكأننا نعيش أيام اوس والخزرج ونعود الى أيام بُعاث . وان لم تكن غنيا او ابن وزير او قبيلة ما فاعرف انك ستعيش في مجتمعك لا احترام لك ولا تقدير وكأنك ابن البطة السوداء .... فالحصول على وظيفة معينة او أن تصل منصب وظيفي  ما سيكون من المستحيلات  فأسوار العنصرية منيعة عالية لن يصلها الا ابناء الحسب و  النسب والقبيلة والعشيرة والعائلة  .... 
في وطننا العربي العنصرية كبيرة جدا لدرجة تجعلنا نتعالى على خلق الله فتجد مثلا عدم قبول هذا الزوج اوالارتباط بتلك الزوجة لانهم من غير الطبقة الارستقراطية او ليسوا ابناء شيوخ وأبناء نواب وعائلات  معروفة ونسينا قول الله عز وجل ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾.... فمثلا تُصمّم الام والاب البحث عن زوجة من نفس بلدهم وحبذا لو كانت من نفس قريتهم أو مدينتهم او عشيرتهم  وبسبب العنصرية لن يهتم الوالدان بمشاعر ابنهم وسعادته وان كان أبنهم قد عشق حتى الموت فتاة عربية خلوقة من احدى دول الوطن العربي وتدين بنفس ديانته ومذهبه وعقيدته...وان فكّر الارتباط بفتاة من أسرة فقيرة الحال ستجد الام والاب يشعرون بالقرف والخجل والحياء من ان يناسبوا تلك العائلة ومحاولات اقناع ولدهم من عدم الارتباط بها  لن تقف حتى بعد الزواج والانجاب والسبب أنها ليست من مستوى العائلة الطبقي ،   ولم يقتصر التمييز العنصري  على تصرف الافراد في مجتمعاتنا العربية  بل تعداه على مستوى الحكام والرؤساء والوزراء، فان كان حاكم دولة ما على خلاف سياسي مع رئيس دولة عربية اخرى فالنتيجة حتما ستكون بأن يتم التضييق على ابناء ذلك البلد الموجودين على أرضه فيكون مصيرهم الطرد من البلاد أو الغاء عقود الوظائف وعدم تجديدها نتيجة اختلاف السياسات فيدفع ثمن ذلك عامة الناس البسطاء . 
أما بالنسبة لقوانين الحصول على  الجنسية لاي دولة عربية  فالطبع القوانين تختلف عن دول العالم اجمع فلن تجنس ولن تعطى جنسية اي بلد عربي ولدت على أرضه ولن تحصل على الجنسية بسبب طول  الاقامة حتى وان أفنيت عمرك وشبابك بذلك البلد وتعمل باخلاص وامانة  ،  وان كنت محظوظا بالحصول على جنسية وجواز سفر لبلد عربي ماغير وطنك الاصلي فالطبع اما أن تكون مكروها او محسودا من قبل العامة بالاضافة الى انك ستسمع بين الحين والاخر تهديدا بسحب جنسيتك وطردك واعادتك الى جذور وطنك الاصلية علما بأننا جميعا عرب نتكلم حرف الضاد والغالبية العظمى منا مسلمين أي لنا رب وا حد  ودين واحد ولغة واحدة وعادات وثقافة تقريبا و احده ..   
ومع حجم العنصرية الهائل داخل قلوبنا وأرواحنا وتفكيرنا وتصرفاتنا اليومية  وجدت الكثيرين من ابناء ومواطني الوطن العربي يخرجون في مظاهرات منددين بقرارات الرئيس الامريكي ترامب حول الدول السبعة الاسلامية متهمينه بالعنصرية ..... فأستغربت ذلك خاصة من أبناء الجالية العربية في أمريكا الذين يتمتعون بحرية لم يجدوها في أوطانهم ... خروجهم في مظاهرات مع أن جميعهم منذ بداية يومهم وحتى نهايته يكون ممسوجا بالعنصرية والتمييز العنصري مع الكثيرين حوله وكأننا شعب الله المختار في زمن من الازمان ... 
انني أخجل الخوض بالحديث والكلام عن حجم العنصرية وأشكالها عندنا وأكاد ان اقسم بالله أننا لو جمعنا العنصرية الموجودة في قلوبنا وسكبناها في البحر لفاض البحر من ثقلها وأغرق الكرة الارضية بمن فيها .... ومن ثم ننافق انفسنا ونحمل شعارات زائفة بأيدينا ونتهم غيرنا بالعنصرية ... ولكن ربما صدق هذا القول " وداويها بالتي هي الداء " ربما بعدها قد نشعر مدى بشاعة أن نكون عنصريين في تصرفاتنا تجاه الاخرين ... وربما يربينا مستر ترامب بعنصريته لنذوق مرارت طعمها ونتن رائحتها فننزع تلك العنصرية القاتلة من صدورنا... لقد صدق رسول الله الكريم حين وصفها قائلا " دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ "   لقد فا حت رحيتنا حتى وصلت وانتقلت الى البيت الابيض وأصبح هو الاخر بأحكامه عنصريا لينضم الى مجموعة شعوب الدول العربية .

14/3/2017

عدد الزيارات : 1923 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق