> مقالات

بين العلمانيين و أنبياء الله المرسلين

كتب : عبدالعزيز بومجداد |
بين العلمانيين و أنبياء الله المرسلين

 

     ارتفعت الأصوات التي تنادي بعزل الدين عن السياسة و لو نظرنا لحقيقة الأمر لوجدنا أن هذه الأصوات لاتُدرك أنها تنادي بتطبيق "العلمانية" و إلغاء الدين الإسلامي .. و ربما كان سبب ذلك عدم فهمها لخفايا الأمور ، في حين نجد أن البعض الآخر يطالب بها لأنه يراها البديل الناجح لتلك التنظيمات المتأسلمة التي تستخدم الدين و تتذرع بأحكامه لخدمة مصالحها و أهدافها السياسية .. واعتقد أن هذه النماذج هي التطبيق الوحيد للإسلام كنظام سياسي ، علماً أن تطبيق أحكام الإسلام بشكل كامل يُعد مستحيلاً تحت ظل الأنظمة الحديثة و ترسيم الحدود السياسية التي تقيّد حركة الناس و إصدار الإثباتات الشخصية التي تحدد هوية الشخص فيتم التعامل معه كمواطن تارة و كوافد تارة أخرى . لكن هل الحل بإلغاء الدين ومن ثم الاحتكام لنظام وضعي لا يُعرف له أساس ؟ ألم يخلقنا الله لنطبق نظامه حتى تتميز فئة "المستخلفين في الأرض" و التي هي الهدف الذي سعى له جميع الأنبياء ؟ أليس من الواجب علينا أن نتمسك بديننا بقدر ما استطعنا لحين ظهور "المخلّص" المهدي المنتظر عليه السلام و الذي هو عقيدة كل مسلم .. ليقيم العدل الإلهي على غرار النبوّة ؟ ألا تعتقدون أن الترويج لفكرة العلمانية يُعتبر خدمة لأعداء الإسلام الذين يسعون للقضاء عليه ؟

     إن حركات الأنبياء لم تكن حركات تعبّدية تستهدف تحويل الناس من عبادة الأصنام إلى عبادة الله فقط .. بل كانت حركات سياسية الهدف منها إقامة الدول و الأنظمة السياسية التي تسير على آيدلوجية إلهية ليخضع بالنهاية المؤمن و غير المؤمن لحكم الله تحت ظل تلك الدول ... وما يدل على ذلك هو إبقاء اليهود و المسيح في دولة رسول الله "ص" مع تطبيق أحكام معينة عليهم مثل دفع الجزية و غيرها من أحكام الإسلام ، و خذ إليك كل قصص الأنبياء لتتأكد من أن السياسة كانت هي الأمر الفاعل في رسالاتهم ، فالنبي موسى "ع" كان يشكّل خطراً سياسياً على نظام فرعون الذي لم يخف من سجود السحرة لـ"رب موسى و هارون" لأنه عدولاً عن عبادته بقدر ما كان خائفاً من أن يهيج الرأي العام ضده حيث أن السحرة كانوا رموزاً و أقطاب في المجتمع و من السهل أن يؤثروا على عامة الناس ثم إن عناد فرعون و من معه لم يكن تمسكاً بمبادئ ثابته ولا استناداً لعقائد و حجج قوية بقدر ما كان تمسكاً بالـ"كرسي" و هذا ما أثبتته الآيات الكريمة من سورة الأعراف و التي تؤكد لجوء فرعون و أتباعه لـ"رب موسى" عندما وقع عليهم الرجز و هذا اعتراف منهم بضلالهم ثم عادوا لعنادهم حتى لا يفقدوا سلطتهم السياسية ، جاء كل ذلك بعد سلسلة من الأحداث السياسية كمواجهة موسى لفرعون و المفاوضات التي انتهت بينهم بالإتفاق على التحدي مع السحرة ثم تحديد المكان و الزمان لهذا التحدي ثم "الإعلام" الذي لعب دوره بالترويج لهذا التحدي ثم التجمع السياسي الذي تمت به المواجهة بين المعارض "موسى" و السلطة الطاغية "فرعون" . ثم إلى النبي نوح و بنائه للسفينة التي جمع فيها الفقراء بعد أن رفضت الطبقة الإرستقراطية فكرة المساواة معهم و استمرار "الطبقية" في المجتمع .. ثم إلى أخاهم هود .. فصالح .. فشعيب .. و كل قصة من تلك القصص تتضمن حركة سياسية و مواجهة مع السلطة الظالمة . انتهاءً بالنبي الخاتم محمد "ص" و دولته العظيمة التي لم يقمها إلّا بعد أن اتبع عدة خطوات سياسية تدرجت بتدرج الأحداث من حوله ، فابتدأ ببناء النواة الأساسية للمجتمع الإسلامي ثم سعى لحماية هذا المجتمع الصغير بمواجهة المجتمع الوثني بضغوطاته و إغراءاته ثم بدأ بتوسيع نطاق هذا المجتمع إلى أن أصبح قوة سياسية عظمى يمكنها مواجهة السلطة الكافرة ثم وضع التوقيت المناسب لإقامة الدولة الإسلامية .


 كل تلك الأحداث و القصص تدل على إن السياسة ليست أمراً مستحدثاً بل هي الأساس الذي قامت عليه الدول الإلهية .. و استخدام السياسة بشكل خاطئ من قبل البعض ليس مبرراً للتخلي عن منهجية الأنبياء و اتباع منهجيات من صنع الغربيين ، بل علينا كمسلمين أن نتمسك بديننا و أنظمتنا الإسلامية و إن كان هناك تطبيق خاطئ لتلك الأنظمة فالواجب هو تقويم السياسة و تصحيح الأخطاء و ليس التبرؤ من الدين .

والله ولي التوفيق
 عبدالعزيز بومجداد
 

عدد الزيارات : 2922 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق