> مقالات

الحلول المتسرّعة تنسف حلم التكويت

كتب : عبدالعزيز بومجداد |
  الحلول المتسرّعة تنسف حلم التكويت


كم أتمنى أن أرى الكويت للكويتيين، و أن أرى المواطنين ينعمون بالأمان والراحة وسهولة العيش على أرض وطنهم ولا أقصد هنا المزدوجين ومزوري الجناسي اللصوص فهذه قضية تحتاج لمقالات متسلسلة إنما أردت التركيز على قضية الوافدين التي أصبحت اليوم تؤرق كل كويتي .. صغيراً كان أو كبيراً ، رجل أو إمرأة ، موظف أو طالب أو حتى عاطل ، كل هؤلاء يعانون من زحمة الشوارع والتي أصبح منظرها يبعث الكآبة في النفوس بالإضافة إلى الوقت الذي يُهدر بين الاختناقات المرورية والذي يسبب التأخير للموظفين و طلبة الجامعات والمراجعين ومن لديهم مواعيد في المستشفيات والأهالي الذين ينتظرون أبناءهم عند المدارس .. وإلى آخر القائمة . الحدائق ، المستشفيات ، المستوصفات ، الجمعيات التعاونية ، المجمعات التجارية ، كلها تعج بالوافدين . والأهم من كل ذلك الوظائف الإدارية "الوزارية" التي امتلأت بالوافدين ليبقوا أبناء وطني يشكلون الرقم الأكبر في عدد العاطلين ولاحظوا أنها وظائف إدارية وليست مهن حرفية حتى نعتمد فيها على عمالة خارجية تمتلك مهارات معينة يفقدها المواطن، مع أني أرجو أن ينكسر ذلك الجمود وتتلاشى تلك الظاهرة التي تتجلى في رغبة أغلب شبابنا بمكتب و مدير "يظبطهم" بالإجازات و يعفيهم من البصمة و هذه النوعية من الشباب يُعتبرون أحد أسباب زيادة الوافدين .

يا ترى هل الحل بترحيل الوافدين ؟ هل فعلاً يمكن لدولة الكويت أن تستغني عنهم بهذه السهولة ؟ و هل لدينا الكفاءات و الخبرات الوطنية الكافية في الاختصاصات المتعددة التي يعمل بها الوافدين لنطبّق سياسة الإحلال و التكويت ؟ .. باعتقادي أننا نعاني من مشكلة أساسية هي السبب الحقيقي في كل القضايا العالقة و المتعطلة مثل قضية البدون ، البطالة ، التعليم الفاشل ، المستشفيات المتهالكة و العلاج "الذي يحتاج لعلاج" و خاصة العلاج في الخارج ، و أخيراً قضية زيادة عدد الوافدين ، و هذه المشكلة الأساسية هي أننا نأتي للقضية التي نريد معالجتها من "المنتصف" و نبدأ بالبحث عن حل لها في حين يجب علينا أن نذهب لأساس القضية حتى نحلها جذرياً ، فعندما بدأ الشعب الكويتي يتذمّر من مشكلة التركيبة السكانية وبدأ بعض نواب مجلس الأمة بالتحرّك لحلها لم يرجعوا لأساس المشكلة و البدء بالبحث عن حلول ، بل أتو للقضية من المنتصف وطالبوا رأساً بترحيلهم و تقليص عددهم دون أن يلتفتوا لعدم وجود البديل الوطني الذي سيسد الفراغ الذي سيتركه الوافد بعد رحيله . وحتى نتمكن من إحلال المواطن بدل الوافد يجب أن يكون هذا المواطن حاصل على تعليم ناجح و تدريب كاف وتأهيل يمكّنه من العمل في الاختصاصات التي يعمل بها الوافد . إن عدد الأطباء الكويتيين غير كافٍ لتغطية جميع المستشفيات الحكومية و الخاصة و المستوصفات و عدد المهندسين الكويتيين غير كافٍ لتغطية جميع الوزارات بمختلف التخصصات المطلوبة و المشاريع التي تقوم بها الحكومة وعدد المدرسين الكويتيين غير كافٍ لتغطية جميع مدارس الكويت بمختلف المراحل الدراسية ، والمقاولين والممرضين و المناديب و المراسلين .. وابحث عن العمالة الوطنية في جميع الوظائف و المهن الحرة لتعرف أن عدد الكويتيين غير كافٍ لسدها ، فهل نُغلق وزارات الدولة ؟ هل نوقف أعمال المقاولة بمختلف مجالاتها ؟ ألسنا بحاجة لمن يقوم بتلك الأعمال ؟ .
إن تطوير التعليم الذي لا يزال فاشلاً في دولتنا و الاهتمام بمخرجاته وتنسيقها مع متطلبات سوق العمل هي الخطوة الأولى للاستغناء عن العمالة الوافدة وهي جذر المشكلة الذي يجب على النواب التحرك باتجاهها بدلاً من المطالبات بترحيلهم بهذه الطريقة الهوجاء ، فمخرجات التعليم العشوائية و التي تجعل التوظيف عشوائياً بالتبعية هي المشكلة الحقيقية والتي ينتج عنها أكثر من مشكلة و ليس مشكلة الوافدين فقط ! فالتوظيف العشوائي هو المتسبب فيما يسمّى بالبطالة المقنعة و هي أن الموظف الوطني الذي تم توظيفه بغير تخصصه ليس له أي فائدة بالوزارة و الموظف الوافد الذي تم طلبه بتخصص معين ليشغل الوظيفة الحكومية هو صاحب الإنتاجية الحقيقية ، و هنا نكتشف أن فشل التعليم هو السبب الأول في الاعتماد على الوافدين و هو الذي جعل المواطن عاطلاً بالرغم من أنه موظف و هذا "العاطل الموظف" بحاجة لوافد ليسد محله في القيام بأعمال الوزارة
نحن لا نطلب المستحيل و لا نطالب بما يخالف مبادئ الإنسانية التي أزعجنا بها بعض المتنفذين وتجار الإقامات ، إننا نتمنى أن نكون كجميع دول العالم التي تعتمد على شعوبها بإدارة أعمالها بعد تعليمها و تدريبها بشكل صحيح على تلك المهن المختلفة والتي تحتاج لمهارات معينة حتى تنهض ببلدانها و تقوي اقتصادها .. فهل هذا مستحيل ؟!

والله ولي التوفيق

عبدالعزيز بومجداد

عدد الزيارات : 2691 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق