> محليات

د. بغدادي: خدمت الجالية المصرية فلقبوني بالعمدة


د. بغدادي: خدمت الجالية المصرية فلقبوني بالعمدة

الحنين إلى الايام الخوالي يبقى الجامع المشترك بين الرعيل الأول ومن عاش في الكويت، في عصر ما قبل النفط أو في مرحلة الاستقلال، وما بعدها.. في هذا اللقاء رحلة مع الذكريات ومع الماضي، نغوص في ثناياه، فنبحث وننقّب عنه، مع الذين عايشوه، تسجل لهم صفحات من عبق التاريخ؛ ففيه رسالة وعبرة للأجيال.

في مستهل لقائنا مع أحد أبناء مصر القدماء في الكويت، الذي امتدت إقامته خمسة وخمسين عاما مع أسرته منذ عام 1962 ونيله الإقامة الدائمة فيها.. قال الدكتور مصطفى إسماعيل بغدادي، الملقب بالعمدة: إن مفهوم العمدة يُطلق على من هو الأكبر سنّاً، ويقوم بحل المشاكل بين العائلات والإخوان، ويقدم خدمات الى إخوانه المقيمين في الكويت، وأنا قمت بهذا الدور.
ورثت عن أبي، رحمة الله عليه، حمل الهم، أتنقل من دائرة الى أخرى، ومن وزارة الى وزارة، وعلى الرغم من شيخوختي فلا أرفض الخدمات، وأعتز بتقديمها لهم، وكنت ألزم نفسي رغم الصعاب التي صادفتني، ولكني وقفت أمام هذه الصعوبات، وكم أتمنى أن أرجع الى شبابي الذي كان خيراً من شيخوختي، ويعجبني قول من قال:
عصيت هوى نفسي صغيراً وعندما
رماني زماني بالمشيب وبالكبر
أطعت الهوى عكس القضية ليتني
ولدت كبيراً ثم عدت إلى الصغر

كويت 1962
قال بغدادي: ولدت في عام 1931 في حي الحسين، وهو من الأحياء الشعبية في القاهرة، تعلّمت من الحي الأصالة والتعاون والوفاء ومحبة الآخرين، حي العلماء والعظماء والمفكرين، منطقة «خان الخليلي» مدت العالم بالمفكرين الذين رفعوا قدر الإنسانية، منطقة المقاهي والتحف والآثار، وفي عام 1956 عملت في الرياض (المملكة العربية السعودية) ومدن أخرى في المملكة حتى عام 1962، سافرت كثيراً، وشاهدت كثيراً، ولكنني وجدت السعادة عندما عملت في الكويت، ولم أتخيل أبداً انها ستكون مقر إقامتي، وعندما وصلت أنا وأسرتي إلى مطار الكويت، استقبلنا مندوب وزارة التربية، وصحبنا إلى مقر استراحة المدرسين القادمين من الخارج في منطقة الشويخ (ثانوية الشويخ حينذاك)، ولم توجد بالقرب منها إلا بعض البنايات القليلة، والباقي أرض فضاء، لا عمران فيها، وبعد الإجراءات عملت بمدرسة السالمية المتوسطة، وكان السكن في ميدان حولي، ولم أقتنِ سيارة، كنت أذهب يومياً إلى المدرسة مشياً على القدمين، وكان ناظر المدرسة أ.محمود المنسي، ومن ثم تقدمت للحصول على رخصة قيادة، وأجري لي الاختبار في منطقة المباركية عند دوار العبد الرزاق بين المساكن القديمة، وأزقة ضيقة، والذي يختبرني نزل من السيارة بين الأزقة، وأخذ يشير بيده، وهو واقف مكانه وظننت من اشارته انه يطلب مني أن أعود إلى مقر الاختبار، فتركته في مكانه، وعدت إلى مقر الاختبار فرحاً معتقداً انني قد نجحت، وبعد ربع ساعة وصل الفاحص إلى المقر، وهو في غاية العناء والتعب، ويقول لي: لماذا تركتني، انت راسب، وعد إليّ للاختبار بعد شهر من تاريخه، وهنا أدركت انني قد أخطأت في حقه، وما كان لي ان أفعل ما فعلته معه من دون قصد وبجهل بالأمور، هو يريد مني ان أرجع بالسيارة؛ ليتأكد من قيادتي، ولله الحمد نجحت في المرة الثانية.

نشاط التمثيل
وقال بغدادي: لخبرتي السابقة في التمثيل كوّنت فريقاً من: عبدالرحمن، الذي أصبح الآن مديراً لتلفزيون الإمارات، وبرويز الذي أصبح رئيس قسم التدريب الرياضي بأكاديمية سعد العبد الله الأمنية، والعسعوسي، والخلفان ومكي القلاف، هؤلاء كانوا يعودون إلى المدرسة مساء كل يوم، ومعهم الشاي والقهوة لتبدأ البروفات، وبنجاحنا في السالمية المتوسطة انتدبت مشرفاً على نشاط التمثيل بنادي حولي الصيفي، وكان أ. عبدالوهاب القرطاس، رئيس النادي، وكان معنا في الفرقة هذه يوسف عبدالكريم الزنكوي، وأسعد الزنكوي ود.حسن السند، وأسعد السند وغيرهم، وكنت أكتب لهم التمثيليات، وأقوم بتدريبهم على تمثيلها، وذهبت الى مدير التلفزيون كان أ.يعقوب العنيم، ومدير البرامج أ.العسعوسي، وسعد الفرج رئيس قسم التمثيليات، وعملت مع المخرج حمدي فريد، ومع الفنان خالد النفيسي والفنان غانم الصالح، ومبيريك، والفنانة مريم عبدالرزاق، ومريم الغضبان وعايشة أحمد

وأضاف: أنا كاتب برنامج رسالة وبيني وبينك، الذي عالج مشاكل المجتمع بأسلوب تمثيلي، وكتبت تمثيليات دينية وتاريخية، وبيت بلا رجل، مسلسل اجتماعي من تأليفي، وانتدبت الى نادي الفروانية، وكان من طلابي عبدالرحمن العقل، وكان يؤدي دور البدوي على المسرح، فاعتدى عليه أحد الحاضرين، وهو غاضب ومعترض على عبارة في النص، ولكن العقل امتص غضبه بذكاء، وأخذ يناقشه بهدوء، وانتهى بإقناعه بأن العبارة لا غبار عليها، وظن الحاضرون أن هذا الحوار ضمن نص المسرحية، ثم رقّيت الى موجّه بمنطقة الأحمدي التعليمية، وبدأت أفكر في مواصلة دراستي، حصلت على دبلوم الدراسات العليا، ومن ثم على الماجستير في اللغة العربية عام 1978، ومما لاحظته في هذه الفترة أن الكويت قد تغيّرت وأخذت بتشجير الشوارع والميادين، وعادت الديرة الى أحضان الطبيعة، وما أصدق «شوقي» حين قال:
تلك الطبيعة قف بنا يا ساري
حتى أريك بديع صنع الباري
الأرض حولك والسماء اهتزتا
لروائع الآيات والآثارِ

طموح لم ينقطع
قال د.بغدادي: ورغم بلوغي الثمانين من عمري فلم ينقطع طموحي، وسعيي الى أن أطور نفسي علميا، وأواكب التقدّم العلمي فأقبلت على شهادة الدكتوراه الثانية، وكان الدكتور المشرف على الرسالة أصغر مني سنّاً، وقال لي: «آنا آسف بأن أكون مشرفاً على رسالتك، وأنت أستاذي»، ولكن تكليفي من الكلية، وكان عنوان الرسالة «شعر البارودي بين التراث والمعاصرة»، وفي عام 2010، حصلت عليها وبدرجة ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، وحصل لي الشرف وأنا ابن الثمانين عاماً ان أكون محاضراً بأكاديمية سعد العبد الله الأمنية، والتعليم التطبيقي، ولدي مؤلفات، تقدر بحوالي عشرين كتاباً.

إقامة دائمة
وقال: زرت صديقي الفريق يوسف السعودي كان حينذاك وكيلاً مساعداً لوزارة الداخلية لشؤون الأمن العام، قال لي: لماذا لا تطلب الإقامة الدائمة، وانت مقيم في الكويت بصفة دائمة منذ عام 1962، وانت مستوفٍ كل الشروط، ولله الحمد سعيت، وقدمت المستندات المطلوبة، وحصلت عليها بتاريخ 2008/11/30، تحت بند «خدمات جليلة».

نصيحة عمدة
قال عمدة المصريين: ان الحياة فيها طوفان «ناجح وفاشل»، ولا يوجد من يولد ناجحاً، وعليَّ ان أتعلم من الحياة كيف أنجح؟ وإلا قادتني نفسي تلقائياً نحو الفشل، ولكن نعيش العمر بروحنا وليس بعدد السنين، وأردد دائماً:
عمري بروحي لا بعد سنيني
ولأسخرن غداً من التسعين
عمري بعد الستين يجري
وروحي ثابتة على العشرين
أنتم أيها الشباب استقبلوا يومكم بالابتسامة، وتمتعوا بكل ما ترون من جمال الطبيعة، واشكروا الله على نعمه، وصلوا له، وسامحوا الجميع، وأخلصوا في عملكم لأجل بلدكم، وتخلصوا من العجلة والاندفاع، وعيشوا يومكم، وساعاته المعدودات، فمن يدري ربما لا يأتي علينا وعليكم يوم آخر، وخيرنا من يستعد للمستقبل، وننسى الماضي، ونأخذ منه العبر، الله الله بالكويت، شبابكم ثروة لبلدكم، نحن كبرنا وأنتم ستكونون امتداداً لنا، تحقّقون ما عجزنا عن ان نحققه، وكونوا في دائرة الاعتدال، تحميكم من الشمال واليمين، نصارحكم ونحميكم بهذه النصائح من أنفسكم الأمارة بالسوء، وفي زواجكم لا تنظروا إلى زاوية المال، لأن الحياة الزوجية لا تقوم على المال وحده، ولا تقطعوا الشوط في خطوة واحدة، تتصورون ان المدنية تتيح لكم ان تعملوا ما تحبونه، وان تلبسوا، ولا نأخذ مبادئ الغرب، وهؤلاء لم يعطوا الثمرة المرجوة إلا القليل القليل، والأمل معقود عليكم، وانتم سوف تحققون ما عجزنا عنه، عليكم بالقراءة والكتابة.
ان المناصبَ لا تدومُ لواحدٍ
إن كُنْتَ تُنكرُ ذا فأين الأولُ؟
فاغرس من الفعل الجميع فضائلاً
فإذا عُزِلْتَ فانها لا تُعْزَلُ
وأعلموا يا أبنائي ان الحياة كالبحر الهادئ، ومن حين لآخر تثور مشكلة من هذه المشاكل وتكبر مع تدخل أهلها، فيتكهرب الجو، ويموج البحر، ثم تنتهي العاصفة، ويعود البحر إلى هدوئه.
وبسؤاله عن علاقته بأفراد الجالية، قال: ألتقيهم وأقدم لهم المساعدة، وفي الحالات الصعبة أتواصل مع المسؤولين الكويتيين لتخليص معاملاتهم.

أقوال وحِكَم

– تقصيرنا في تطور لغتنا العربية أدى إلى نتائج وخيمة.
– سر نجاحك في الحياة أن تحب ما تفعل، لا أن تفعل ما تحب.
– المرأة هي المرأة في كل زمان ومكان، طبعاً يميّزها عن الرجل أنوثتها.
– المرأة إذا أخلصت كان إخلاصها مثالياً، وإذا كرهت كانت قاسية إلى حد كبير.
– طرد خمسين في المئة من حزنك بعملك الذي يشغلك عنه.
– الناس صنفان موتى في حياتهم وآخرون ببطن الأرض أحياء
– فاحفظ لنفسك بعد موتها ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثان

إرث أهل الكويت

ــــ ورثوا حب البحر وسفنهم والمهارة فيها.
ــــ صيف الكويتيين كدهم في الغوص والشتاء سفر للتجارة.
ــــ الشويخ كانت مبانيها قليلة وبعض طرقها غير معبدة.
ــــ الكويتيون بنوا أنفسهم، ومهروا في بنائها بالمهن والحرف والتجارة.
ــــ السفر عند أهل الكويت هو عملية نقل التجارة والصناعة بواسطة السفن الشراعية الكبيرة.
ــــ الكويت عرفتها ودخلت إلى قلبي بالتجربة والسفر والقراءة والكتابة، فهي معنى السعادة.
ــــ هكذا الدنيا لا تهتم بالذي يستسلم ويقف مكانه، وإنما يتابع محاولاته.


عدد الزيارات : 1101 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق