> مقالات

مجلس الفزعات و الشعب المهمّش

كتب : عبدالعزيز بومجداد |
مجلس الفزعات و الشعب المهمّش

 للكويت تاريخ سياسي مُشرّف على المستوى الإقليمي و أيضاً المحلي ، فصمودها و مقاومتها لقوى إقليمية طامعة مثل الدولة العثمانية و أيضاً الجانب البريطاني.. يدلّان على الحكمة و القوة السياسية التي تمتعت بها قيادات هذه الدولة الصغيرة "حجماً" ، ولا ننسى مواقف الشعب التي كانت هي مصدر تلك القوة التي واجه بها حكّام الكويت خصومهم و أعدائهم الإقليميين . أما عن ما يسمّى "استعمار بريطاني" فإني لا أعتقد أن الكويت كانت في يوم من الأيام إحدى مستعمرات بريطانيا ، فمعاهدات الحماية التي وقعتها الكويت مع بريطانيا كانت قائمة على تعامل الانجليز مع حاكم الكويت كصاحب سلطة مستقلة مسؤولة عن سياسة الدولة و اقتصادها و أعمالها العسكرية و الدليل على ذلك هو الحروب التي خاضتها الكويت بقرار منفرد و الأعمال التجارية التي كانت تتم بالتفاهم بين حاكم الكويت و التجار ، و لم يكن لبريطانيا يد في تلك الأمور إلا على نطاقٍ ضيق . و في الشأن الداخلي نجد أن الشعب الكويتي كافح من أجل أّلا تنفرد السلطة باتخاذ القرار و من أجل أن تكون له كلمة مؤثرة في تسيير أمور البلد و كان ذلك عبر برلمان نيابي تدرّجت أحداثه عبر سنوات طويلة من المواجهات بين السلطة و الشعب ابتداءً بمجلس الشورى مروراً بالمجلس التشريعي إلى المجلس التأسيسي و إنتهاءً بمجلس الأمة ، و الذي يفترض أن يكون تكملةً للمشوار السياسي الذي ابتدأه شعب الكويت حتى وصل لمرحلة (الشعب الذي لا يرضى بالتهميش) .

      و إن كان الشعب الكويتي بالأمس قد رفض التهميش فإنه اليوم للأسف يعيشه بكل معانيه ، فشكاوى المواطنين من تردّي الخدمات و الصحة و التعليم و اختفاء السياحة و وسائل الترفيه و انخفاض المستوى المعيشي لا تجد لها حلول جادة  من قبل الحكومة بالرغم من وجود مجلس الأمة الذي كان بالأمس يرفض التهميش .. فأصبح اليوم أحد أسبابه .
       إن نواب المجلس الذين يُفترض فيهم أن يكونوا هم العين التي يراقب بها المواطنين أموالهم و اليد التي تبني وطنهم و تطوّره و لسانهم الذي يطالبون به بمستحقاتهم و مطالبهم .. اقتصرت مهمتهم اليوم على "الفزعات" العنصرية ، فكل تيار أو فئة أو طائفة تنتظر من ممثلها في البرلمان فزعة و صراخ و تهديدات إذا ما تعرضت لإساءة أو شعرت بالإهانة من قبل طرف آخر ، وبذلك أصبح المواطنون الكويتيون لا يدافعون عن النائب المصلح ولا المنجز بل يدافعون عمن يحمل اسم عائلتهم أو قبيلتهم أو ينتمي لتيارهم الفكري حتى لو كان فاشلاً من الناحية الانجازية ، لأن أغلب الناخبين على وعي أن الانجازات المصرّح بالعمل بها لن تتجاوز مرحلة البرامج و الوعود الانتخابية فقط ، لذا تحوّلت تطلّعاتهم للنواب الذين يملكون اللسان السليط بغض النظر عن عمق الفكر و امتلاك الخطط والاقتراحات التنموية ، وفي المقابل نجد أن الحكومة سعيدة بهذا الوضع التعيس بل نجدها تقف وقفة المتأمل للتراشقات العنصرية دون تدخل في سبيل طول البقاء ، فتارة تصطف مع هذا و تارة مع ذاك .. والشواهد كثيرة و فهمكم كاف ، حتى أن تكرار حل مجلس الأمة له دلالات على ذلك ، فعدم التعاون من أحد المجلسين يقابله تأزيم من المجلس الآخر حتى تصل المسألة لطريق مسدود "بين السلطتين" . فالمساومات بين الحكومة و المجلس على أمور ليس للشعب فيها أي مصلحة كانت هي السبب في حل مجلس 1999 و 2006 و 2008 و 2009 . و حتى أكون منصفا ومن وجهة نظري هناك فائدة واحدة من مجلس الأمة لا يمكن إنكارها و هي امتياز الشعب الكويتي عن الكثير من شعوب العالم و خاصة "العالم الثالث" بالحرية في إبداء الرأي ، بالرغم من أنها بدأت تتقلص مؤخراً بسبب بعض القوانين المقيدة للحريات و المكممة للأفواه و التي تطرقنا لها في مقالات سابقة .

     وفي الختام ..  يبدوا لي أن الوضع السياسيي في الكويت لن يتغيّر على يد نواب الفزعات الفاشلين و لا على يد الحكومة المستفيدة منهم .. بل لن يكون هناك تغيير إلا بوقفة جادة من الشعب المتضرر ومطالبته بالإصلاح وكذلك باختياره لمن يمثله في المجلس بناءً على الكفاءة و الثقافة و العلم لا بناءً على فزعات الشوارع .

والله ولي التوفيق

عدد الزيارات : 2193 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق