> منوعات

في يوم الشعر العالمي .. الشعر طائر يصدح بغير حنجرته


في يوم الشعر العالمي .. الشعر طائر يصدح بغير حنجرته

سيرة الشعر باتت تشبه «سيرة الحب»، كلما استعيدت ترافقت وحسرة ما، شكوى تستند إلى ضياع ما كان من أثر للقصيدة، كأنها كانت يوما ما تاريخا جمعيا للشجن، للتطابق مع المشاعر الحادة، للذوبان في التعبير عن الذات بطريقة تجعل من هذه الذات نفسها صوتا يتضمن الكل، ووجيعته او فرحه مقسومة على كل شفة تعيد قراءة هذا البيت أو ذاك.
هل يتراجع الشعر حقا؟ ما موقع سؤال كهذا مع جمهور «شاعر المليون»، أو «أمير الشعراء»؟ أو متسابقي جائزة كتارا في مديح الرسول (ص)؟ ما موقعه من رواد رابطة الأدباء، أو جمهور ربيع الشعر الذي يوشك أن ينطلق برعاية «مؤسسة البابطين»؟ هل يرى رواد هذه المحافل وجمهورها ان الشعر في أزمة؟

بالأمس كتب روائي على موقعه في«تويتر» أن من المبرر كثرة الروائيين، باعتبار أن الحكي مقدرة مودعة في كل إنسان، مندهشا من الكثرة المضاعفة للشعراء.
ربما يرى بعض الشعراء والمثقفين أن الجوائز الشعرية ومحافله الرسمية وشبه الرسمية كما لو أنها تتعمد الحفاظ على نمط كلاسيكي تجاوزته كل مدارس التجديد في الشعر العربي منذ أواسط القرن الماضي، وتمثل تراجعا وترسيخا لـ«أصولية» جمالية بدعوى الحفاظ على الهوية أو الثقافة العربية «الأصيلة».
لكن المجال المفتوح على مواقع التواصل الاجتماعي وشبكات «يوتيوب» و«ساوند كلاود» باتت تمثل مجتمعا موازيا لأعداد هائلة من كتاب القصيدة. ثمة صفحات على موقع فيسبوك تحمل اسم «قصيدة النثر» لها متابعوها.
نحن أمام جمهوريتين تشكلان نمطين للكتابة أحيانا، النمط المؤسسي المحافظ، برأي العض، والنمط المعاصر الممثل في قصيدة النثر، والذي أفاد بشكل واسع من مواقع التواصل والشبكة عموما.
من المدهش أن تتابع واحدا مثل الشاعر أحمد قطميش على موقع ساوند كلاود لتجد أن زبائن القصيدة النثرية حاضرون بالآلاف. قطميش يقوم بقراءة قصائد ومقاطع لشعراء (وكتاب نثريين وروائيين..) بأداء مميز، ربما يعيد الشعر إلى المنطقة التي هجرها، وهي الأداء الصوتي.
لكن ما لاشك فيه أن ثمة أزمة في مبيعات الكتاب الشعري. معظم دور النشر تتحفظ على نشر الشعر مقابل ترحيبها بالرواية. ولكن هذا ليس حظ الشعر وحده. وربما كانت ثمة أسباب أعمق للتوجه إلى الرواية.
دخلت الرواية عالمنا من دون تقاليد مسبقة، وهي الآن تعبر عن رغبة حكي وبوح بموازاة تاريخ قهري وسلطوي يهمش الأفراد. هي شهادة استباقية على مجتمع. بينما مازال الشعر في كثير من الأحيان يقف في منطقة الذات المعتمدة على موقع ثابت من المجتمع، والتي تفترض أن قيمها واعترافاتها كافية لتجسيد نموذج إنساني عام يمكن للجميع التعاطي معه. ليس هذا ما يسم القصيدة «التقليدية»- إذا صح التعبير- وحدها، بل قصيدة النثر التي صنعت نموذج المتمرد أو البطل المضاد، أو الإنسان البسيط.. قافزة فوق المطلوب، وهو التعقيد الاجتماعي الذي يستحيل أن يجعل لنموذج ما مركزا يمكن الاتفاق عليه.
نعم يمر الشعر بأزمة، لأنه بينما يجنح إلى «حكمة» تلخص الوجود اعتمادا على مفهوم سابق للحكمة، يشي الواقع نفسه بجنون يفوق جنون الشعراء. وتبدو القصائد معه «مخدات» ترتاح عليها رؤوس المراهقين الذين لم يستوعبوا تعقد الحياة بعد.
نعم الشعر في أزمة، لأن النقاد ومراجعات الصحف تفضل الحديث عن رواية من باب الاستسهال، حيث ترد الرواية إلى حكاية دالة، بالمعنى الساذج للكلمة.
نعم الشعر في أزمة، لأنه فن ممتد في تاريخ الثقافة العربية حمل كل صراعاتها، وانطبعت على أديبه جراحات الحداثة والتمدين والتابعية وفشل المجتمعات في تكوين صيغة للتعايش. الشعر في أزمة لأننا في أزمة.. صوتنا أزيح عن مركزه، فمنذا يستطيع أن يصدح به؟.

 


عدد الزيارات : 1860 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق