> اقتصاد

البنك الدولي يحذر من مساوئ فرض ضرائب على التحويلات


البنك الدولي يحذر من مساوئ فرض ضرائب على التحويلات

بعد انقضاء 10 أيام على اختتام ملتقى الكويت للاستثمار الذي استضاف مجموعة من المستثمرين في المنطقة والعالم لتسليط الضوء على الفرص الاستثمارية المتاحة في دولة الكويت الراغبة في التحول إلى مركز مالي، خرجت اللجنة المالية البرلمانية أول من أمس لتوافق على مشروع قانون يجيز فرض ضريبة على التحويلات المالية للوافدين.
ورغم التحذيرات التي أطلقها خبراء وسياسيون ومنظمات عالمية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بخصوص التداعيات السلبية التي تفرزها الضرائب على تحويلات الوافدين، إلا أن بعض النواب أصروا على فرضها من باب أنها توفر عوائد مالية لخزينة الدولة.
خبراء يرون أن فرض الضرائب على الوافدين وإن كان مجدياً على المدى القصير، فإنه لن يحمل سوى تبعات سلبية في المستقبل، مقترحين بدائل أخرى للاستفادة منها من المبالغ التي يحولها المستثمر، كإتاحة فرص الاستثمار والتملك أمام الوافد الذي لا يجد ما يغريه في ادخار أمواله بالبلد المضيف، ويلجأ بالتالي إلى تحويل أمواله واستثمارها في بلده إما في شراء عقار أو حتى الاحتفاظ بمدخراته في وديعة مصرفية تدر عليه فوائد مجزية مقارنة بالودائع في البنوك الكويتية.
مع ذلك، مقترح فرض الضرائب على تحويلات المهاجرين لا يقتصر على الكويت فحسب، بل سبقتها إليه دول أخرى سواء خليجية أو غيرها. يقول ديليب راثا الخبير في شؤون تحويلات المهاجرين في البنك الدولي إن عدداً من البلدان الغنية التي تستضيف عدداً كبيراً من المهاجرين بدأت في الآونة الأخيرة تدرس فكرة فرض ضرائب على التحويلات إلى الخارج، وذلك من أجل زيادة إيراداتها من جهة، والحد من أعداد المهاجرين الذين لا يحملون الوثائق اللازمة من جهة أخرى. وتشمل قائمة البلدان التي تدرس أو أقرّت هذا الأمر البحرين والكويت وسلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة.
وأورد راثا تسعة أسباب تجعل فرض الضرائب على التحويلات إلى الخارج فكرة سيئة تتمثل بالآتي:
1 – بما أن دخل المهاجرين يخضع بالفعل، من حيث المبدأ، للضرائب (سواء مباشرة أو غير مباشرة) في البلد المضيف، فإن فرض ضرائب على التحويلات يصل إلى حد الازدواج الضريبي لدافعي الضرائب من المهاجرين. وبما أن التحويلات عادة ما ترسل إلى الأسر الفقيرة لهؤلاء العاملين، فإنهم سيكونون هم من يتحملون تلك الضرائب في نهاية المطاف، ومن ثم من المرجح أن تكون ضريبة تنازلية للغاية.
2 – سيؤدي فرض ضريبة على التحويلات إلى زيادة تكلفتها، وهو ما يتعارض بشكل مباشر مع التزامات مجموعة العشرين وهدف التنمية المستدامة المتمثل في خفض تكاليف التحويلات وزيادة تعميم الخدمات المالية.
3 – يتأثر العمال المهاجرون الفقراء بشدة في العادة بتكلفة التحويلات. ومن شأن فرض ضريبة أن تدفع هذه التدفقات إلى قنوات غير منظمة وغير رسمية. ومن المرجح أن يؤدي ذلك الأمر إلى انخفاض الإيرادات الضريبية، وزيادة تكلفة الإدارة الضريبية، وتشجيع القنوات غير الرسمية لتدفقات الأموال، ما يزيد من المخاطر الأمنية.
4 – بقدر ما تستخدم قنوات التحويلات أيضاً في التحويلات منخفضة القيمة لأغراض التجارة والسياحة والاستثمار والأعمال الخيرية، ستتأثر هذه المتغيرات المذكورة أيضاً بفرض ضريبة على التحويلات.
5 – يمكن أن يؤدي فرض ضريبة على التحويلات، لا سيما إذا طبقت بصورة انتقائية على رعايا بلد معين، إلى إعادة توجيه تدفقات التحويلات عبر بلدان ثالثة. (على سبيل المثال، أجبر الحظر الأميركي على التحويلات إلى إيران الرعايا الإيرانيين في الولايات المتحدة على إرسال الأموال عبر أوروبا أو الإمارات). وإذا كان الأمر كذلك، فسيجد المهاجرون أنفسهم مضطرين لسداد رسوم التحويل مرتين.
6 – تشير التقديرات إلى أن الإيرادات المتحققة من فرض ضريبة على التحويلات ستكون ضئيلة بالنسبة لقاعدة الإيرادات في البلد المعني. على سبيل المثال، تشير تقديرات صندوق النقد الدولي
7 – من شأن فرض ضريبة على التحويلات أن يؤثر في حجم أعمال مقدمي خدمات التحويلات، مما يقلل من مدفوعاتهم الضريبية.
8 – قد يسهم فرض ضريبة على التحويلات في دفع العاملين ورواد الأعمال المغتربين إلى الانتقال إلى بلدان أخرى حيث الضرائب أقل.
9 – في الماضي، لم يكتب لمثل هذه الضرائب النجاح. ففي الغابون (عام 2008)، وفي بالاو (عام 2013) تبين أن حصيلة الضرائب كانت ضئيلة للغاية (صندوق النقد الدولي 2016).

مغرية ولكن
يقول إم آر راغو رئيس قسم الأبحاث في شركة المركز المالي الكويتي والعضو المنتدب في شركة مارمور مينا إنتلجنس في مقال نشرتها صحيفة ذي ناشيونال إنه على الرغم من أن فكرة الضرائب على تحويلات الوافدين تبدو مغرية ويمكنها توفير دخل غير نفطي لمنطقة دول مجلس التعاون الخليجي على أساس إجمالي، فإن فرضها له سلبيات أكثر.
يمثل تحويل الأموال من قبل العمال الأجانب إلى بلدانهم الأصلية تدفقات مالية كبيرة من دول مجلس التعاون الخليجي. وبحسب تقديرات البنك الدولي، حوّل المغتربون العاملون في دول التعاون أكثر من 100 مليار دولار في 2015 إلى بلدانهم، وهو ما يمثل 7.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي المشترك للبلدان، ويعد رقماً كبيراً مقارنة بالولايات المتحدة، التي تشكل فيها التحويلات نسبة 0.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، أو المملكة المتحدة التي تصل فيها النسبة إلى 0.9 في المائة.
يرى راغو أن أحد الأسباب البسيطة لارتفاع قيمة تدفقات التحويلات المالية هو نقص فرص الاستثمار، خاصة في العقارات والأسهم بالنسبة للأجانب. هذا النقص في فرص الاستثمار إلى جانب الافتقار إلى الضرائب، دفع الوافدين إلى توفير المال وزاد حافزهم نحو تحويل مدخراتهم واستثمارها في بلدانهم الأصلية بدلاً من الدول المستضيفة.
أكثر من 25 مليون وافد يعملون في دول الخليج ينحدرون من دول مثل الهند ومصر والفلبين وبنغلادش وباكستان وإندونيسيا وسيريلانكا، واليمن، ويعمل معظمهم سائقا أو طباخا أو عامل بناء أو حارس أمن، وفي وظائف ذات مهارات متدنية. على المدى القصير، سيقلص فرض الضرائب الحافز عند الوافدين لتحويل مدخراتهم وقد يحقق الغرض المطلوب من فرضها، لكنه في الوقت ذاته قد يحفز الناس على تجنب القنوات الرسمية للتحويلات مثل البنوك. وعوضاً عن ذلك، سيلجأ الوافد إلى التحويل عن طريق الأصدقاء، الأقارب، الزملاء المسافرين، عدا أن فرصة لجوء الناس إلى السوق السوداء لتحويل المال قد تتضاعف هي الأخرى.
على المدى البعيد، سيؤدي تراجع التحويلات المالية للوافدين إلى تبديد فرصة جاذبية أسواق العمل لدول مجلس التعاون الخليجي للعمالة الآسيوية، وهو ما يحمل تداعيات كبيرة. فالنموذج الاقتصادي الخليجي قائم على العمالة الأجنبية سواء ذات المهارات المتوسطة أو الضعيفة. ويشكل الوافدون أكثر من 50 في المائة من القوى العاملة في معظم دول المنطقة. في قطر على سبيل المثال، تصل نسبة العمالة الوافدة فيها إلى %85 من سوق العمل ككل.
في هذا السياق، يرى خبراء أن فرض الضرائب على التحويلات يثبط العمالة التي تشكل مكوناً كبيراً من الاقتصاد وسيحمل معه تكاليف طويلة الأجل تفوق الفوائد القصيرة الأجل بكثير.
تشير الدراسات التي أجريت بشأن تدفق الأموال إلى الخارج في المنطقة الى أنها مفيدة لدول الخليج، حيث تعمل كقوة انكماش كبيرة. أولاً ، من خلال إبقاء الطلب على السلع الاستهلاكية تحت السيطرة، حيث ان العمال المغتربين غالباً ما يعيشون حياة مقتصدة لزيادة التحويلات المالية، وثانياً من خلال توفير تدفق مستمر من المغتربين ذوي الأجور المنخفضة.
يقول راغو إذا كان يُنظر إلى التحويلات المالية على أنها بمنزلة تسريب في الاقتصاد، فيجب على الحكومات أن تتخذ تدابير – مثل تحفيز الاستثمارات المحلية، وفتح الاقتصاد والسوق للأجانب وزيادة الفرص لتجميع العائلات – وهذا من شأنه أن يقلل من الرغبة في التحويل في المركز الأول.

ارتفاع التكلفة
أما شركات الصرافة والحوالات الكبيرة مثل «إكسبرس موني» فتتفق مع وجهة النظر المعارضة لفرض الضريبة ومساوئ مثل هذا القرار على عملها والاقتصاد معاً. إذ بحسب «إكسبرس موني» فإن ضريبة التحويلات لديها عيوب ومزايا، فمن جهة توفر إيرادات تحتاجها الدولة للتنويع الاقتصادي على المدى القصير، ومن جهة أخرى، تفرض تحديات على المدى البعيد لا تتعلق بصناعة تحويل الأموال فحسب بل تطال الاقتصاديات.
من بين أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة حل مشكلة عدم المساواة فيما بين البلدان من خلال تخفيض رسوم التحويلات إلى %3 بغضون عام 2030، إذ يبلغ متوسط تكاليف المعاملات لإرسال التحويلات 30 مليار دولار سنوياً، وتعتبر رسوم التحويل أعلى في البلدان الأكثر فقراً والمناطق الريفية النائية بحسب تقرير أخير صدر عن منظمة «إيفاد».
ومن شأن فرض الضرائب على التحويلات أن يزيد من التكلفة الإجمالية للتحويلات المالية. إذ قد يؤدي ارتفاع التكاليف إلى عكس المكاسب التي حققتها شركات الصرافة والحوالة في تشجيع الوافدين على استخدام القنوات القانونية والمرخصة والآمنة لتحويل الأموال. وتتمثل المخاطر في مثل هذه التشريعات بأن يعود الناس إلى تحويل أموالهم لبلدانهم نقدًا عبر الأصدقاء أو الأقارب، عدا عن أنه بالإمكان اللجوء إلى أنظمة «الحوالة» غير الرسمية لتحويل الأموال.
ومثل هذه المعاملات الرمادية غير الرسمية يصعب للغاية تتبعها ورصدها، وتعيق الجهود الإقليمية لمكافحة غسل الأموال والتزوير وتمويل الإرهاب.
علاوة على ذلك، إذا أصبح تحويل أموال الوافدين صعباً، قد يقلل من جاذبية الأسواق الخليجية التي كانت دائماً تستقطب بالمواهب العالمية، وبدوره يمكن أن يضر فرض الضرائب أهداف التنويع الاقتصادي.
تقول «إكسبرس موني» إنه ليس هناك شك في أن دول مجلس التعاون الخليجي على حق في التفكير في طرق مبتكرة لزيادة الإيرادات، لكن لِمَ لا يكون البديل عن الضرائب على التحويلات هو تحفيز المغتربين على الاحتفاظ بالأموال واستثمارها في المنطقة حيث يعملون أولاً.

محاربة الفقر
بحسب الأمم المتحدة يقدم المهاجرون مساهمات كبرى للتنمية الدولية، من خلال عملهم وإرسال التحويلات المالية لأوطانهم، إذ بلغت تلك التحويلات المالية نحو 600 مليار دولار في 2017، أي نحو ثلاثة أضعاف مجموع المساعدات الرسمية المقدمة للتنمية.
وتساعد هذه التدفقات الحيوية من الأموال الخاصة، التي يرسلها أكثر من 200 مليون عامل مهاجر في العالم، الأسر على رفع مستويات معيشتهم والمساهمة في تحسين الصحة والتعليم والسكن. كما ترفع إمكانية المستفيدين منها على تنظيم المشاريع، لا سيما في البلدان الأشد فقراً من غيرها التي تضم أعدادا كبيرة من سكان الريف.
وكان تقرير صدر عن الصندوق الدولي للتنمية الزراعية «إيفاد» التابع للأمم المتحدة أظهر أن مجموع إيرادات العمال المهاجرين يقدر بنحو 3 تريليونات دولار سنوياً، يبقى منها 85 في المئة تقريباً في البلدان المضيفة. أما معدل الأموال التي يرسلها المهاجرون إلى أوطانهم فنسبتها أقل من واحد في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في البلد المضيف.
وأشار التقرير إلى أن تحويلات المغتربين تمثل مجتمعة أكثر من ثلاثة أضعاف مجموع المساعدات الإنمائية الرسمية التي تأتي من جميع المصادر، وأكثر من مجموع الاستثمار الأجنبي المباشر في جميع البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
وازداد مجموع الأموال التي يرسلها المهاجرون إلى عائلاتهم في البلدان النامية بما يقارب 51 في المئة، مقارنة بما كانت الحال عليه في العقد الماضي، مقابل نمو للهجرة نسبته 28 في المئة للفترة عينها، أي أن نمو التحويلات أعلى بكثير من نمو أعداد المهاجرين، مما يشير بشكل غير مباشر إلى أن المهاجرين الآن فيهم نسبة مرتفعة من أصحاب العقول والمهارات القادرين على الحصول على وظائف بمرتبات عالية تسمح لهم بتحويل أموال أكثر إلى بلدانهم. يقول البنك الدولي إن هناك حاجة إلى دراسة منهجية لجدوى فرض ضرائب على تدفّقات التحويلات (إلى الخارج والواردة) وتداعياتها. ويجب أن تشمل هذه الدراسة إعداد دراسات حالة للبلدان تتضمن إجراء مقابلات مع مقدمي خدمات تحويل الأموال، والمهاجرين، وأسرهم في الوطن، والسلطات الضريبية. ولما كانت الأدبيات المتعلّقة بفرض ضرائب على التحويلات هادئة إلى حد كبير، فمن الضروري وضع نماذج تحليلية لهذه الضرائب، ربما بالاستناد إلى الأدبيات المتعلقة بالضرائب على التبرعات الخيرية. وتجدر الإشارة إلى أن الكويت تحتل تصنيفاً متدنياً في استطلاع مؤسسة «إنترنيشنز» الدولية لأسوأ وأفضل الدول للوافدين؛ إذ تحتل المرتبة الأخيرة عربياً كأسوأ وجهة لإقامة الوافدين، وقبل الأخيرة عالمياً.

440 ملياراً

كشف تقرير صادر عن منظمة أممية أن تدفّق التحويلات خلال العقد الماضي زاد بمعدل 4.2 في المئة سنوياً، من 296 مليار دولار أميركي في عام 2007 إلى 445 مليار دولار في عام 2016. ويحصل مئة بلد على تحويلات تتجاوز 100 مليون دولار أميركي سنوياً، في الوقت الذي تشير فيه الإسقاطات إلى أن نحو 6.5 تريليونات دولار أميركي سنوياً من التحويلات سترسل بين 2015 و2030 إلى بلدان ذات دخل منخفض ومتوسط. في عام 2016، بلغ حجم تدفّقات تحويلات العاملين المهاجرين إلى البلدان النامية 440 مليار دولار، أي ما يربو على ثلاثة أضعاف حجم تدفّقات مساعدات التنمية الرسمية. وفي كثير من البلدان، تمثل هذه التحويلات المالية أكبر مصادر النقد الأجنبي. ففي الهند والمكسيك، يُعد حجمها أكبر من حجم الاستثمار الأجنبي المباشر؛ وفي مصر تتجاوز قيمة التحويلات إيرادات قناة السويس؛ أما في باكستان، فهي تتخطى احتياطيات النقد الأجنبي.

مليار مستفيد

تشكل التحويلات المالية شريان حياة مهماً لنحو مليار شخص حول العالم، إذ يشكل المهاجرون %3.4 من سكان العالم، والعدد زاد بنسبة %49 منذ عام 2000.


عدد الزيارات : 918 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق