> فن وثقافة

«حرب الكلب الثانية».. عالم انهارت فيه الضوابط


«حرب الكلب الثانية».. عالم انهارت فيه الضوابط

نحن نكتب للتخلُّص من ثقل يُطبقُ علينا، ولكن ما يحدثُ أنكَ ككاتب تكتشفُ حين تخرج من عمل كهذا أنكَ أضفتَ ثقلا جديدًا على جسدك وروحك، لأنك أدركتَ المعضلةَ، أو الكارثةَ أكثر. هذا النمطُ من الكتابة لا يُشفي كاتبه، إنه يصيبُه بما يمكن أن أدعوه لعنةَ الوصول إلى الحقيقة؛ حقيقةِ ما يحيطُ بنا، ونعاني منه اليوم، لا كعرب فقط، بل ما يعاني منه الإنسانُ في أماكن كثيرة.
لكنّ ما أعرفه أيضا أننا نكتب لنهُزَّ العالمَ لا لنربت عليه، فعالمنا اليوم ليس قطا أنيسا، بل حقلا واسعا للقتل، وجراحُهُ أكبرُ من أن يواريها أحدٌ بطبَقةٍ من مكياج خفيف أو ثقيل.

حسم الجدل الذي كان قائما حول الاسم المرشح للفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، بفوز الروائي ابراهيم نصرالله عن رواية «حرب الكلب الثانية»، الصادرة عن الدار العربية للعلوم ناشرون. فقد كان البعض يرى أن دخول ثلاث روايات لكتاب شباب هي رواياتهم الأولى، يعني أن لجنة التحكيم قد تنحاز للشباب في خياراتها، والبعض رأى أن التفكير المنطقي يؤدي للتنبؤ بفوز نصرالله أو فوز الدار العربية للعلوم، على دار تنوير التي رشحت رواية «الحالة الحرجة للمدعو ك» للروائي السعودي عزيز محمد، التي كان كثير من القراء والمتابعين يتوقعون فوزها، ولكن الجائزة التي تتهم بالمحاصصة الجغرافية من المستبعد أن تذهب لكاتب سعودي مرتين متتاليتين، إشارة إلى فوز محمد حسن علوان بالجائزة في الدورة السابقة.

كان هناك رهان كبير أيضا على رواية «الخائفون» للروائية السورية الشابة ديمة ونوس الصادرة عن دار الآداب، على عكس رواية «ساعة بغداد» للروائية العراقية شهد الراوي، التي منذ وصولها للقائمة الطويلة والبعض يضع علامات استعلام وتعجب أيضا حول مستواها الذي أثار حفيظة بعض الكتاب العراقيين تحديدا، وشنوا عليها هجوما في مواقع التواصل الاجتماعي. يذكر أن شهد الراوي من العراق وعزيز محمد من السعودية هما أصغر كتاب القائمة الطويلة سناً، كما أنّ الروايتين هما أول عمل روائي لكلا الكاتبين.

تسريب كالعادة
ظلت هذه الدورة في نظر الجميع مختلفة لكونها حافظت على سرية قراراتها وتوجهاتها، إلى ان أعلن- بعد إعلان الجائزة- الروائي العراقي علي بدر على صفحة فيسبوك أنه كان يعلم النتيجة قبل إعلان القائمة الطويلة، وأشار إلى ان «تصرفات لجنة التحكيم فيها الكثير من قلة الخبرة وقلة الذكاء» وفق رأيه، وإن كان نصرالله يستحق الفوز. وانه كان قد سبق ان تحدث عن الاسم الفائز منذ أسابيع في معرض بغداد الدولي للكتاب، اشار إلى ذلك عدة مرات في فيسبوك.
من جهته صرح ابراهيم نصر الله لـ القبس بان لجنة الجائزة كانت قد طلبت من المرشحين الستة تحضير كلمة لالقائها في حال فوزهم، وذلك دفعا للظنون حول معرفته المسبقة بفوزه.
لجنة التحكيم تشكلت من الأكاديمي والناقد والشاعر والروائي والمسرحي الأردني إبراهيم السعافين، رئيساً، مع عضوية كل من: الأكاديمية والمترجمة والروائية والشاعرة الجزائرية إنعام بيوض، والكاتبة والمترجمة السلوفينية باربرا سكوبيتس، والروائي والقاص الفلسطيني محمود شقير، والكاتب والروائي السوداني- الإنكليزي جمال محجوب.
وقد علّق إبراهيم السعافين، نيابة عن لجنة التحكيم على الرواية الفائزة بقوله «تتناول هذه الرواية تحوّلات المجتمع والواقع بأسلوب يفيد من العجائبية والغرائبية ورواية الخيال العلمي، مع التركيز على تشوهات المجتمع وبروز النزعة التوحشية التي تفضي إلى المتاجرة بأرواح الناس في غياب القيم الخُلُقية والإنسانية».

عمق المأساة
ياسر سليمان، رئيس مجلس أمناء الجائزة قال عن الرواية الفائزة «كلما ابتعدنا عن الواقع بغرائبية الروائي، اقتربنا إليه بكل ما فيه من عبثية. تطل علينا (حرب الكلب الثانية)، الرواية الفائزة لهذا العام، من هذا المنطلق لترسم لنا عالماً انهارت فيه الضوابط، وانحسرت فيه منظومة القيم التي يُحتكم إليها في الفصل بين المعقول واللامعقول. يحيك إبراهيم نصرالله خيوط روايته هذه بلغة تحاكي الموضوع بكل غرائبيته، وبنفَس يلتقط المضحك المبكي، وكأنه بهذا يعبر عن عمق المأساة التي نواكبها من داخل الرواية إلى خارجها وبالعكس؛ فهنيئًا له وللرواية العربية على هذا الإنجاز».

الفائز
إبراهيم نصرالله من مواليد عمان عام 1954 من أبوين فلسطينيين اقتُلعا من أرضهما عام 1948، عاش طفولته وشبابه في مخيم الوحدات للاجئين الفلسطينيين في عمّان٬ الأردن. بدأ حياته العملية معلما في المملكة العربية السعودية، عاد إلى عمّان وعمل في الصحافة، ومؤسسة عبدالحميد شومان، وتفرغ للكتابة عام 2006. أشرف نصرالله على دورتين من الندوة (ورشة إبداع) التي تنظمها الجائزة سنويا للكتاب الشباب الواعدين، في عامي 2014 و 2016.
وتُرجمت أربعة من رواياته وديوان شعر إلى اللغة الإنكليزية، منها «زمن الخيول البيضاء» المرشحة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2009، و«قناديل ملك الجليل» المرشحة للقائمة الطويلة عام 2013. وبهذا الفوز يحصل نصرالله على 50000 دولار أميركي، بالإضافة إلى ترجمة روايته إلى اللغة الإنكليزية.

الفائزون بدورات البوكر السابقة

إحدى عشرة سنة هي عمر جائزة البوكر، التي تدار بالشراكة مع مؤسسة جائزة «بوكر» في لندن، بدعم من دائرة الثقافة والسياحة، أبو ظبي في الإمارات العربية المتحدة. يذكر أن جائزة البوكر للرواية العربية في دورتها الأولى 2008، لم تكن قد اعتمدت نظام القائمة الطويلة الذي يضم 16 رواية، والقائمة القصيرة التي يتم اختيار 6 روايات من بين أعمال القائمة، ففي هذه الدورة كانت هناك قائمة قصيرة تضم 6 روايات فقط.
الفائزون في الدورات السابقة:
2008 : المصري بهاء طاهر، عن روايته «واحة الغرب».
2009: المصري الدكتور يوسف زيدان، عن روايته «عزازيل».
2010: االسعودي عبده خال، عن رواية «ترمي بشرر».
2011: فازت رواية «القوس والفراشة» للكاتب المغربي محمد الأشعري مناصفة مع رواية «طوق الحمام» للكاتبة السعودية رجاء العالم.
2012: اللبناني ربيع جابر عن رواية «دروز بلغراد.. حكاية حنا يعقوب».
2013: الكويتي سعود السنعوسي رواية «ساق البامبو».
2014: العراقي أحمد سعداوي، رواية «فرانكشتاين في بغداد».
2015: التونسي شكري المبخوت عن رواية «الطلياني».
2016: الفلسطيني ربعي المدهون عن رواية «مصائر: كونشرتو الهولوكوست والنكبة».
2017: السعودي محمد حسن علوان، عن روايته «موت صغير».


عدد الزيارات : 1134 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق