> فن وثقافة

فهد الهندال: القارئ يبحث عن كتاب يشبهه عمري كتاب..


فهد الهندال: القارئ يبحث عن كتاب يشبهه عمري كتاب..

ماذا لو قيل لطه حسين إننا لا يعوزنا رفيق ليقرأ علينا كتبه، فنحن نصغي إليها على مواقع اليوتيوب والساوند كلاود ممدين في أسرّتنا، أو مسندين الظهر إلى مقعد وثير؟ ماذا لو توافر على عهده حينما منع كتابه «في الشعر الجاهلي» نسخ من «البي دي إف» يطالعها الجمهور عبر أجهزته النقالة؟ الكتاب لم يختفِ كما كان البعض يتخوف، بل تنامت صوره وتعددت، عادات القراءة، العلاقة الحميمة بملمس الكتاب، الشعور بالرهبة أمام مغلفه السميك على رف في مكتبة. ترى كيف هي خبرة الأجيال المختلفة من الكتاب في علاقتها بـ«خير جليس»؟ ماذا قرأوا أول الأمر؟ ما الذي دفع بهم إلى عالمه الساحر وجذبهم ليكونوا ضمن جوقة صانعيه؟ أمس واليوم.. كيف اختلف عالم النشر والعلاقة بالمكتبة الخاصة؟ تلك وغيرها أسئلة نطرحها على أجيال من الكتاب يعكسون بدورهم صورا من تطور العلاقة بالكتاب وبإنتاجه وتلقيه.

في هذا الحوار ينتقل الكاتب والناقد فهد الهندال من البدايات مع رحلة القراءة والكتب إلى رحلة الكتابة والنشر، كما يلقي الضوء على الفرق بين النشر لدى الأجيال السابقة والنشر في جيله، ويتحدث الهندال أيضا عن بعض الإشكاليات في الحركة الثقافية؛ مثل أزمة النقد وصعود الرواية ودور الجوائز الأدبية،
إليكم حصيلة اللقاء.
كيف كانت البداية مع القراءة؟ وما الكتاب الأول الذي كان بوابة الدخول إلى عالم القراءة؟
– تشكلت البداية في أمكنة عدة، باختلاف الزمن وتدرج الوعي، المكان الأول مكتبة الوالد، معلمي الأول، وكان يعمل بوظيفة مدرس، فكان طبيعيا أن تكون هناك مكتبة في البيت ومازلت أذكر الكتاب الأول (مروج الذهب ومعادن الجوهر) للمسعودي، إضافة إلى ديوان جدي حامد، رحمه الله، حيث كنت استمع لعلوم وأخبار العالم والناس والدنيا من صدور رواد الديوان. لتأتي الدراسة ومراحلها المختلفة من مكتبة المدرسة والجامعة، ولعل مكتبة قسم اللغة العربية خلال الفترة 1994 – 1996 كانت الأغنى ثقافيا ومعرفيا.

الرمز والرمزية
في حياة كل مبدع كتاب (أو عدة كتب) يعتقد أنه الأكثر تأثيرا في مسيرته الإبداعية ما هذا الكتاب الأكثر تأثيرا في رحلتك الإبداعية؟
– هناك كتب كثيرة بلاشك، ولكن كتاب «الرمز والرمزية في أدب نجيب محفوظ» لأستاذي الدكتور والأديب سليمان الشطي كان الأكثر تأثيرا في حبي للنقد، وحتى التعرف على عالم الرواية وشخصية نجيب محفوظ، كذلك تأثري بشخصية الأديب الشطي الذي وجدت لديه فكرا جامعا الأدب بالنقد، لهذا كان ومايزال شخصية مؤثرة مهمة في تحصيلي العلمي، وبداية خطوتي الإبداعية.
– فلننتقل إلى عالم الكتابة والنشر، يقال إن الإصدار الأول هو بوابة العبور إلى عالم الإبداع والنشر وهو خطوة بمنزلة الحلم، كيف جاءت هذه الخطوة الأولى في عالم النشر؟ وهل كانت هناك عقبات في نشر الكتاب الأول؟
لأتحدث عن تجربتي الأولى مع النشر، كانت مع كتابي الأول «العالم الروائي للطيب صالح» وهو بالأصل رسالتي للماجستير، وداعبتني فكرة نشره ككتاب، ليكون إصداري الأول نقديا، وتم نشره من خلال مكتبة ودار قرطاس عام 2004، ولاشك أن البداية كانت صعبة، لكون تكلفة الطباعة والنشر في الكويت عالية جدا، ثم جاءت مسألة التسويق والتوزيع، فقمت شخصيا بذلك دعما لكتابي الأول، وكانت مهمة صعبة جدا في الترويج لكتاب نقدي، وتمكنت من تسويقه، أعتقد أنه كان جيدا، ثم توالت إصداراتي الأربعة الأخرى على مراحل مختلفة.

الابن الأول
البعض يرى أن الكتاب الأول في حياة المبدع يكون دائما للنسيان وخارج حسابات المبدع، بينما يرى آخرون أن هذا الكتاب الأول هو الذي يهدد هوية المبدع لرحلته مع الإبداع إلى أي الفريقين تنحاز؟ وأي القولين ينطبق عليك؟
– الكتاب الأول هو بمنزلة الابن الأول، فلا يمكن أبدا أن أنساه أو أتناساه، لكونه من قدمني للمتلقي للمرة الأولى، ويبقى دائما في قمة إصداراتي لانه شكّل هويتي الأدبية والنقدية، ولهذا لا أجدني أميل لأي من الرأيين، فالكتاب الأول هو مصافحة أولى بين الكاتب والمتلقي، بضوئها يتطور وعيه الكتابي، وتتشكل رؤيته، وكل كتاب هو تجربة قائمة على رؤية ورسالة وأهداف، والكتب بالأصل مشروعات إما مجتمعة أو متفرقة فكريا، تبقى مرآة المنجز الأدبي والثقافي لكل كاتب.
ما الفرق بين النشر في السنوات السابقة حيث كان النشر بشكله التقليدي، والنشر في عالم اليوم حيث تعددت وسائل النشر، واصبحت هناك منصات إلكترونية تغني المبدع عن النشر التقليدي أحيانا؟
-الفرق هو اختلاف المتلقي، متلقي الأمس لا يهتم إلا بالكتاب وقيمته المعرفية أو تحقيقه متعة القراءة، ولعل تعدد وسائل النشر والمنصات الالكترونية أسهمت في الترويج والتسويق للكتاب، باعتباره منتجا بنهاية الأمر، هنا نتحدث عن تحوّل الكتاب إلى سلعة تحتاج إلى اهتمام تجاري كما هو الاهتمام الثقافي، ولهذا فالدور مشترك بين الناشر والكاتب، كلاهما في مركب واحد.

أمس واليوم
لا يخفى على أحد تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الإبداع والمبدعين والنشر؟ كيف تنظر إلى هذا التأثير في المبدع وإنتاجه؟
– اليوم المتلقي يبحث عن شبيهه من الكتب، نجد اليوم أن الكتاب الشباب يبحثون عن المتلقين ممن هم مثلهم من الشباب، فتجد أن ساحة الشباب اليوم هي وسائل التواصل الاجتماعي، لهذا يتبارى الكتاب ودور النشر في جذب أكبر عدد من المتابعين كوسيلة للترويج، فبات الكاتب المتفاعل والنشط في التواصل الاجتماعي قبلة الناشر والمتلقي معا، بحثا عن التأثير الذي يحققه وجوده في التواصل الاجتماعي.
– ثمة صراع يدور حاليا بين الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني. لمن ستكون الغلبة؟ وكيف ترى مستقبل الكتاب التقليدي؟
مايزال تأثير الكتاب الورقي قويا في هذا الصراع، وذلك يعود إلى تفضيل نسبة كبيرة من المتلقين له على النسخة الالكترونية، برغم توافر الأجهزة اللوحية والتطبيقات وغيرها من وسائل القراءة الالكترونية، كذلك الكتاب الصوتي الذي دخل منافسا على السوق والمتلقي، ولكن من وجهة نظري لكل وسيلة مفضلوها وفق استخدامهم لها.

ازدهرت الرواية في السنوات الأخيرة ازدهارا لافتا فهل اصبحنا في «زمن الرواية» حقا كما يقول عنوان كتاب للناقد جابر عصفور أم اننا في زمن فوضى الرواية؟
– هذه المقولة جاءت متحمسة جدا، لظاهرة ازدهار الرواية، ولكن أظن أنها نتيجة مرحلة باتت فيها الرواية المدونة الرئيسية لتاريخ وحياة المجتمع. فالشعر في يوم من الأيام كان مزدهرا، كذلك القصة القصيرة والمسرح. ولكن لطبيعة حب الناس اليوم لأسلوب الحكاية والدراما أصبحوا يميلون للرواية كمنتج أدبي تنوعت أجياله الأدبية، ولعل أوسعها الشباب، فصار الاتجاه نحوها أكثر من غيرها. وأظن أننا سنشهد تحولا نحو الشعر بحثا عن تهذيب الذائقة اللغوية والتأمل الذاتي والدهشة المشتعلة بالإحساس الرقيق. وبالنهاية الفنون تكمل بعضها.
الحديث عن الجوائز الأدبية صاخب بين من يرى أنها اضافت للإبداع وحركت مياهه الراكدة، وفريق آخر يشكك ويرى فيها نقمة على الإبداع، فكيف ترى الأمر؟
– الجوائز الأدبية جزء من منظومة ثقافية، لكونها ترتبط بفعاليات مرافقة وحراك إعلامي مصاحب تصب جميعها في مصلحة الكتابة والكتّاب والقراءة، ولهذا أراها مهمة في ظل تنافس حميد واستحقاق أدبي للمبدع في حياته. ولكل جائزة أدبية رؤيتها ورسالتها وحضورها المؤثر، ولا يمكن أن تجمع كلها في سلة واحدة.

كتابات الشباب
تتعرض كتابات المبدعين الشباب لكثير من النقد السلبي سواء على مستوى الاسلوب أو حتى اللغة كيف تنظر كناقد لهذه الكتابات؟
– هناك كتابات تحتاج لمران طويل، وأخرى لتأسيس فعلي، وغيرها لإعادة النظر في ما تكتبه إن كان فعلا يغذي ويعبر عن ذاتها، وبكل الأحوال هي تجارب تتأثر بعرض الناشر وبريق الجوائز ورغبة الشهرة والحضور الإعلامي، وهذا لا يكون إلا بعد شوط طويل من الدربة والاتساع بمدارك المعرفة والخبرة الفنية.
النقد العربي يعاني أزمة.. عنوان كبير ودائم في حوارات المثقفين وكتاباتهم في السنوات الأخيرة.. ما أبعاد هذه الأزمة وكيف يتم تجاوزها؟
– يُتهم النقد بأنه لا يواكب حركة التأليف والإبداع. على مستوى الرواية مثلا، لدينا كم هائل من الإصدارات الروائية سنويا، من دون الدخول في الجوانب الفنية، فأين هو الوقت في ملاحقة هذه الإصدارات والكتابة عنها. من هنا، بات الاختيار إما منحصرا في الروايات الفائزة أو المنافسة على جوائز أدبية مرموقة، أو التي تأتي نتيجة ظاهرة اجتماعية أو حدث تاريخي أو وفق منظور فني نقدي يرصده الناقد. شخصيا أعول دوما على الناقد المحترف، الذي لا تكون كتابته خاضعة لأي اعتبار سوى المنظور النقدي والمعايير الفنية والموضوعية.

مكتبتي الخاصة


عدد الزيارات : 1509 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق