> مقالات

دولة غارقة .. بشهادات خارقة وعقول فارغة !

كتب : عبدالعزيز بومجداد |
دولة غارقة .. بشهادات خارقة وعقول فارغة !


     في دولة يُفترض أنها ليست متخلفة، في دولة لديها إدارات رقابية، في دولة تستهلك ملايين الدنانير لإنشاء المباني الوزارية الحديثة وصرف رواتب الموظفين العاملين فيها .. مثل الكويت، يُفترض أن عملية تزوير أي مستند رسمي فيها أمر غاية في الصعوبة إن لم نقل مستحيلاً، هذا فضلاً عن تزوير شهادات جامعية تمر على دورة مستندية مطوّلة وتُعرض للتدقيق في أكثر من جهاز من أجهزة الدولة.

     في سابقة "نادرة" على مستوى العالم وعلى مر التاريخ اكتشفت حكومتنا أن شهادات جميع المواطنين والوافدين العاملين لديها مشكوك بصحتها، فرأت هذه الحكومة الـ"سوبر ديلوكس" أن عليها مراجعة صحة بيانات كل تلك الشهادات وهذا ما جعل وزارة التعليم العالي تنتفض وتنفض في طريقها ديوان الخدمة المدنية والذي بدوره قام بنفض وزارات الدولة قاطبة، وكانت نتيجة ذلك أن بدأت طلبات الإعفاء من الوظيفة من قبل "المزورين" بالتزايد ، تجنباً للمساءلة، كما أن باب الإحالة للتقاعد والاستقالة الاجبارية قد فُتح على مصراعيه وهذا ما سيتسبب بخلل وظيفي بالدولة حيث أن الكثير من المناصب ستفرغ مع عدم توافر البديل الوطني ، هذا بالإضافة إلى الخلل الموجود أساساً والذي نراه متمثلاً في بطالة الشباب الخريجين وبطالة الموظفين المقنّعة والعمالة الوافدة التي ملأت الوزارات الحكومية، ولست بصدد هذه القضايا الآن حيث أن كل قضية منها بحاجة لمقال مستقل.

     من خلال متابعتي لقضية الشهادات المزورة التي ثارت مؤخراً نتج لدي سؤالين .. الأول : أين كانت أجهزة الدولة عن عمليات تزوير الشهادات ! أين وزارة التعليم العالي وأين الملاحق الثقافية وأين الخارجية وأين ديوان الخدمة الذي ينتفض اليوم للتحقق من شهادات كل موظفين الدولة ؟ لماذا لم تقم تلك الأجهزة بإجراءات احترازية مسبقة للتأكد من جدية الجامعات التي اعترفت بها والتي تخرج منها بعض الطلبة بفترات قياسية وبشكل مفاجئ ؟ ألم يكن هذا الوضع مثيراً للشك ويستحق من الحكومة الالتفات له ؟ إن التقصير الحكومي واضح وضوح الشمس في هذا الملف خاصة وأن الحكومة لديها علم كافِ بهذه المشكلة وقد أوقفت الاعتراف ببعض الجامعات التي دارت حولها شبهات بيع الشهادات في الفلبين وغيرها لكنها لم تتوسع بالتحقيق في بقية الجامعات ففتحت لمن في قلبه "تزوير" المجال لأن يتوجه لجامعات أخرى تتبع نفس المنهجية .. بل كان عليها أن تضع ضوابط واختبارات معينة للاعتراف بالشهادات الخارجية منذ الوقت الذي سُمح فيه للكويتيين بالدراسة في الخارج على حسابهم .. لا أن تترك الموضوع عشوائياً. والسؤال الثاني والأهم : هل ستكمل الحكومة مشوارها في محاربة الشهادات المضروبة لحين تطهير جميع مفاصل الدولة من المزورين الذين عاثوا في الكويت فساداً وتسببوا بتراجع مستوى خدماتها وتعطيل مشاريعها أم هي مجرّد "هبّة" من هبّاتها ؟ كما عودتنا ! حيث أن تزوير الشهادات الذي استمر لسنوات طويلة والذي غرقت به الكويت وتداخلت به أطراف عديدة من جهات حكومية وأطراف خارجية كالجامعات المعنية لا يمكن القضاء عليه في وقت قصير، بل هو بحاجة لوقت ومجهود كبيرين والأهم من ذلك هو بحاجة لقدرة وإصرار على مواجهة المتنفذين المستفيدين من التزوير.

     فإن كان لدى الحكومة نية صادقة في مواجهة هذه الظاهرة فإني أبشّرها بأنها ستواجه صعوبات كبيرة ابتدأت بالخلل الوظيفي بعد استقالات المزورين ثم مشكلة عدم التنسيق بين مخرجات الكليات ومتطلبات الوزارات ثم وجوب وضع الضوابط وتشريع القوانين التي تمنع التزوير في المستقبل، وإن كانت الحكومة هي الملامة بالدرجة الأولى فإن مجلس الأمة هو المسؤول الأول عن هذه الإصلاحات، ومشوارنا مع فشل التعليم في الكويت مستمر وأعدكم بمقالات أخرى بهذا الخصوص.

والله ولي التوفيق
عبدالعزيز بومجداد

عدد الزيارات : 1893 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق