> منوعات

تايوان.. جوهرة في بحر الصين


تايوان.. جوهرة في بحر الصين

على بعد بضعة كيلومترات فقط عن الصين، تحاول تايوان أن تنفرد في قارة آسيا، بنظامها الديموقراطي وسياسة المساواة بين الرجل والمرأة وأيضا باحترام الأقليات والإثنيات التي تعيش على أراضيها، بما في ذلك المسلمون من التايوانيين أو المهاجرين الذين قدم غالبيتهم من أندونيسيا أو ماليزيا أو سنغافورة.
وعلاوة على ذلك تتميز تايوان بتطورها التكنولوجي وصناعة الالكترونيات وأيضا بتنوعها الجغرافي، الذي يجعل منها وجهة سياحية جاذبة في المنطقة.
ما أن دخلت مطار تايبيه بعد أن حطت طائرة الخطوط الجوية الاماراتية قادمة من دبي بعد نحو تسع ساعات من الطيران حتى فاجأتني عبارات الترحيب باللغة العربية «أهلا وسهلا ومرحبا بكم في تايوان».

في مطار تايبيه كانت هناك حركة كبيرة ووفود من دول عدة. سألت أحد من كانوا إلى جانبي عن سبب الزيارة فقال إنه أستاذ في جامعة هنغارية ووجهته هي مدينة تايشونغ الصناعية من أجل التدرب على تقنيات وتكنولوجيات جديدة، وأما مواطنة ماليزية فقالت إنها متعودة على زيارة تايبيه للسياحة بين الفترة والأخرى.
في الطريق إلى الفندق، تظهر معالم سحر تايبيه، هذه المدينة التي تحيطها الجبال والاشجار من كل جنب ويقطعها نهر دانشوي الذي تمتد على جنباته مزارع الأرز، وأما في فندق The Grand Hotel، فيعانق السائح جمال الطبيعة ويستطيع من شرفاته أن يرصد تلك الجسور المتقاطعة بشكل عجيب، كلما ألقى بصره بعيدا في الافق.
يقع هذا الفندق الذي يعد من معالم العاصمة تايبيه، في أحد مرتفعات المدينة ويتميز بهندسته الصينية ولونه الأحمر القاني وأعمدته الطويلة وتنيناته المجسمة والمرسومة. فحيثما تولي وجهك هناك تقابلك التنانين في كل مكان، ووفق أحد مسؤولي الفندق يزيد عدد هذه التنينات عن 22 مليونا بالنظر إلى مكانة التنين في مخيال التايوانيين.
وقد أقام في هذا الفندق الرئيس الاميركي إيزنهاور الذي يعد أول وآخر رئيس أميركي يزور الجزيرة،كما زاره المرحومان الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود وملك الاردن حسين بن طلال، ويعد شاه إيران رضا بهلوي أول رئيس أقام فيه عام 1958.

الأسواق الليلية 
لا يمكن أن تزور تايوان من دون أن تكتشف أسواقها الليلية، التي يعد سوق شيلين أشهرها على مستوى العاصمة تايبيه.
في شيلين يمكن أن تستمتع بفواكه البحر التايوانية المشوية وبالفواكه الإستوائية الغريبة الألوان وأيضا بآيس كريم تايوان الشهير، الذي يقدم في صحن كبير وعميق، مزينا بقطع من فاكهة المانجا.
وفي هذه الأسواق يمكن أن تبتاع أي شيء كالألبسة والالكترونيات الصغيرة والتذكارات، كما يمكن أن تكتشف طبيعة الحياة في هذه الجزيرة التي لا تبعد سوى كيلومترات عن الصين.
هنا لا فرق بين المراة والرجل، الجميع يعملون جنبا إلى جنبا وتراهم في الشوارع والمحال والمتاجر وعلى الطرق يشقونها بدراجاتهم النارية التي تكتظ بها الشوارع والأرصفة.
ويحرص كل تايواني على حمل مظلته، فيما يحرص كل سائق دراجة نارية على حمل معطف من النايلون لارتدائه وفت الحاجة، فهنا كثيرا ما تفاجئك الأمطار الغزيرة لتغسل المدينة وتمنحها بهاء اكثر.

برج 101 
يعد برج 101 من اهم معالم تايوان، فهذا البرج يتميز بمصعده، الأسرع في العالم،حيث تصل سرعته إلى 1010 متر في الدقيقة الواحدة.ما أن تصل إلى آخر طابق حتى تكتشف بأنك فوق السحاب وبأن المدينة وجسورها وغاباتها تحت قدميك، ولك أن تتصور المنظر العجيب وأنت ترى المدينة وقد استحالت إلى صورة غاية في الجمال، خاصة بعد غروب الشمس وبدء عمل الانارة الليلية.
ولا يمكن أن تزور برج 101، من دون أن تستمتع بشوربة النودلزر باللحم البقري وهي أشهر الأكلات التايوانية التقليدية أو الدامبلين (الرافيولي) بالخضار أو الروبيان. ولكن قبل أن تتناولها يجب ان تلقي نظرة على الطباخين وكيف يقومون بحشو قطع العجين بمختلف التركيبات ثم يرصونها في اوان مصنوعة من خشب البامبو لتطهو على البخار وتكون جاهزة في بضعة دقائق.
ما قد يكون مدهشا أيضا في برج 101 هو تلك المحال التي تعرض قطعا غير مألوفة من المشغولات الذهبية كأشجار ناعمة من الذهب او عناكب وحشرات مختلفة يطلب السائحون وضعها على قطع من حجر الجايد الذي تشتهر به تايوان.
والجايد هو حجر كريم يعتقد التايوانيون أنه يجلب الحظ لمن يرتديه، وغالبا ما يكون لونه أخضر، وتختلف اسعاره وفق جودة النقش ودقته ووزنه أيضا، وعلاوة على الجايد تشتهر تايوان باللؤلؤ والمرجان الذي يتم عادة صقله في صورة حبات ارز صغيرة.

سرّ الشاي في المدينة القديمة 
على طول شارع إيوا في المدينة القديمة التي تقع في تايبيه، كانت تصطف مصانع الشاي ومنازل العاملين في صناعة شاي الأولونغ التايواني، الذي ينمو في جبل علي.
في الوقت الحاضر لم يبق أي مصنع من الـ 20 الف مصنع شاي، التي كانت مزدهرة في وقت مضى، لكن أحدها تحول إلى متحف بعد أن قدمته عائلة وانغ للحكومة التايوانية، فيما لا تزال العديد من المحال في المدينة القديمة تبيع الحلويات التايوانية التقليدية.
ويقول شييكي شان مدير متحف الشاي إن شاي Oriental beauty tea أحد افضل انواع الشاي في تايوان، وقد أطلقت عليه الملكة البريطانية فيكتوريا في عام 1837 هذا الاسم، بعد أن أعجبت بلونه وشكل أوراقه وهي تتراقص بعد وضعها في الماء الساحن.
ويقول الخبير شيكي شان الذي قضى عقودا في صناعة الشاي وتحضيره إن من بين أسرار ضبط الشاي هو تسخين الفناجين قبل وضع الشاي فيها، وهي أول مرحلة تسبق عملية إعداد هذا المشروب الساخن،الذي ينصح بتحضيره بماء معدني ساخن وغير مغلي.
وأما بالنسبة للمقادير فيقول شيكي شان إن 55 سل من الماء تحتاج إلى غرام واحد من أوراق الشاي. وفي تايوان الكثير من أنواع الشاي حيث يفضل كبار السن تناول بابل تي فيما يفضل الشباب الأولونغ تاي وشاي روبي الأسود.

المتحف الوطني
في متحف تايوان الوطني، يمكن للزائر أن يتعرف على الأقوام التي سكنت تايوان والحيوانات التي عاشت في الجزيرة، والعديد من التحف الفنية النادرة المصنوعة من البرسلان. كما يمكن أن يتمتع أيضا بهندسة المتحف الذي تزينه الأعمدة في الداخل كما في الخارج، لكن اجمل ما يمكن أن تكتشفه في متحف القصر الوطني هو «الملفوف المصنوع من حجر الجايد الكريم».
ويرمز ملفوف الجايد إلى النقاء والطهارة. وكان التايوانيون يهدونه في السابق إلى العروس، حيث يعتبر من اغلى الهدايا،لكن التقليد اندثر اليوم وما عاد له وجود بسبب غلاء حجر الجايد. ويقدم مطعم القصر لزواره ملفوفة صغيرة تعتليها روبياناتان صغيرتان وتقول موظفة في المطعم إنهما رمز خصوبة المرأة التايوانية.

الطريق إلى تايشونغ

يشبه القطار السريع الذي يربط تايبيه بتايشونغ الطائرة.فهو نظيف جدا وسريع للغاية وما هي الا ساعة ويوصلك إلى مدينة تايشونغ،التي تعد ثالث مدينة في البلاد.
وعلى طول الطريق يمكن أن تلاحظ حقول الرز والشاي على مدى بصرك.
شوارع تايشونغ واسعة جدا وبناياتها عالية وأما على اطرافها فتجد العديد من المصانع التي تنتج مختلف الأجهزة الالكترونية التي باتت مرجعا في العالم كأجهزة الكمبيوتر واكسسواراته.
وفي الفندق التقيت وفدا من رجال الأعمال الماليزيين، الذين جاؤوا لزيارة بعض الشركات لتوقيع اتفاقيات شراكة لاستيراد بعض التكنولوجيات وعدد آخر من المهندسين الأوروبيين جاؤوا للغرض ذاته. وفي تايشونغ أيضا توجد أسواق ليلية، بدت أكبر بكثير من نظيرتها في تايبيه وأوسع، حيث تزخر بأنواع مختلفة من البضائع المحلية والمستوردة أيضا.
لا يتحدث التايوانيون في السياسة، لكنهم يعملون ويحاولون التميز آسيويا، خاصة بمنتجاتهم الصناعية والتكنولوجية وبإبراز حقوق المرأة، خاصة بعد ان فازت زعيمة المعارضة تساي إنغ-وين برئاسة جمهورية الصين لتكون أول أمرأة تحكم البلاد.

تحف فنية في أروقة الفنادق

5 مساجد كبيرة وجهود لنشر ثقافة المنتجا الحلال

يعيش نحو 300 ألف مسلم، بينهم 100 ألف تايواني في جزيرة تايوان، حيث بمقدورهم أداء شعائرهم الدينية من دون أي مضايقات أو تمييز، مقارنة بمناطق آخرى في قارة آسيا، فهنا يرفع الأذان وترتدي النساء الحجاب، ويعيش المسلمون مندمجين داخل المجتمع التايواني بمختلف أديانه واتجاهاته الأديولوجية.
كنت حريصة لدى زيارة تايوان،على زيارة مسجد تايبيه، وصادف أن وصلته بعد صلاة الجمعة،حيث وجدت إمام المسجد ابراهيم جاو منهمكا في لقاء تلفزيوني مع قناة محلية، بينما كانت بعض النسوة المحجبات يرتبن مصلى النساء بعد الصلاة وعدد قليل من المصلين يقرؤون القرآن في قاعة المسجد التي زينت سقفها قبة غاية في الجمال.
يقع المسجد الكبير وسط تايبيه غير بعيد عن كنيسة المدينة. ويقول الإمام إبراهيم جاو إن وجود الاسلام في جزيرة تايوان يعود إلى أكثر من 400 عام، ويرجع الفضل في ذلك إلى التجار المسلمين الذين قدموا من شبه الجزيرة العربية وشرق افريقيا والمحيط الهندي وشبه جزيرة مالاوي والجزر الاندونيسية.

أصل المسلمين 
ووفق إمام المسجد الدكتور إبراهيم جاو، يعود أصل التايوانيين المسلمين تاريخيا إلى بعض المقاتلين والتجار الذين جاؤوا من أقليم فوجان الصيني مع تشين تشين غون، ولكن عددهم تراجع مع احتلال اليابانيين لجزيرة تايوان.
ويضيف «بعد عام 1948، قدم عدد كبير من المسلمين من البر الصيني إلى تايوان، ما ساهم في تعزيز وتجديد الكيان الإسلامي بالرغم من انهم اقلية، لكن انتماءهم إلى النخبة والى طبقة المثقفين، سمح لهم بالنهوض بالاسلام من جديد حتى ستينات القرن الماضي وجيلا بعد جيل تعزز الدين هنا».
وخلال سبيعينات القرن الماضي توافد مسلمون من تايلند وميانمار، وانصهروا في البيئة التايوانية، ومع النهضة الاقتصادية في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، توافد مسلمون من الهند وافريقيا والدول العربية. وحين فتحت الحكومة باب العمل للاجانب في مجالات خاصة كرعاية المسنين،شهدت تايوان استقدام عدد كبير من الاندونيسيين، كما خصصت الحكومة التايوانية،خلال السنوات الاخيرة، عدة منح دراسية للطلبة الاجانب. ويقول الامام ابراهيم ان بلاده والمسجد الكبير اصبحا يستقبلان طلبة مسلمين من اميركا الشمالية والجنوبية والدول العربية وشمال افريقيا.

لا تمييز 
سألت الإمام الدكتور إبراهيم عما إذا كان المسلمون في تايوان يعانون من أي تمييز، فأجاب «تعاملنا الحكومة مثلما تعامل بقية المواطنين بلا تمييز، ولكن عانينا من الصورة النمطية عن المسلمين بسبب وسائل الاعلام الخارجية، وهذه التوجهات نقلت صورة غير صحيحة عن المسلمين، ونسعى جاهدين لمواجهة هذه التشويهات. ولقد بدأ الاعلاميون في تايوان يعون ذلك وأصبحوا لا يستخدمون أوصافا مسيئة لنا في حديثهم عن المسلمين كالأصولية». ويلعب المسجد الكبير في تايبيه دورا محوريا في دعم المسلمين وتعزيز اندماجهم في المجتمع، سواء من خلال الحلقات التي يعقدها مع عامة الجمهور او الدروس التي تتضمنها خطبة الجمع.

معاناة المسلمين 
يعاني المسلمون في عدد من دول آسيا من القمع والاضطهاد. ويقول الإمام ابراهيم جاو إن المسلمين في بلاده لا يتألمون فقط لما يحصل في مينمار، وإنما لما يحصل في جميع المناطق التي يشعر فيها المسلمون بالتهديد. ويضيف: «يؤلمنا كثيرا ما يحصل في منطقة شينجان الصينية، حيث تم تطبيق أحكام غير انسانية، إذ حظرت السلطات على المسلمين صوم رمضان وإقامة الصلاة، فيما منعت المسلمات من ارتداء الحجاب، ولما نجحوا في ذلك انتقل الحظر إلى مناطق اخرى في شمال غرب الصين والمناطق الآهلة بالمسلمين، وهذا يشعرنا بالخطر القادم لان هذا مخالف للتسامح المجتمعي وننشد اخواننا في العالم الإسلامي التعاضد والوقوف امام هذه الانتهاكات الصارخة».

5 مساجد 
توجد في تايوان 5 مساجد مرخصة من الحكومة، بينها المسجد الكبير في تايبيه.
ويقول الإمام إبراهيم جاو إن الحكومة أنشأت عدداً من المصليات في محطات القطار والمطار ومحطات الباص، كما بدأت بتشجيع الناس على التعرف على نظام المواد الغذائية الحلال في البلاد.
ويضيف «هناك محال تبيع اللحم الحلال، وبعد كل صلاة جمعة نقيم سوقاً في المسجد نبيع فيها الذبائح المجمدة وفق المواصفات الصحية، كما نرفع الأذان اربع مرات في اليوم ما عدا في صلاة الفجر بسبب قانون الضوضاء الذي يحظر ازعاج الجيران، والحكومة تسمح لنا وفق قانون خاص بذبح الاضحيات في المسجد مع مراعاة المواصفات الصحية وإقامة موائد الإفطار في شهر رمضان».

دروس دينية 
ويقدم مسجد تايبيه الكبير دروسا في اللغة العربية والتربية الإسلامية والقرآن للتلاميذ من المسلمين وغيرهم يومي السبت والأحد.
ويقول علي تين، مساعد إمام المسجد، إن معلمين من مصر وغانا يشرفان على هذه الدروس.
وأمّا الباحثة في متحف تايوان الوطني اميلي غران فقالت إن متحف تايوان الوطني شرع خلال السنوات الأخيرة بالتعاون مع كل الجاليات المسلمة في تنظيم معارض عن الثقافة الاسلامية حتى يتعرف التايوانيون من غير المسلمين عليها.
وأضافت «لقد قدم لنا المسلمون المساعدة، لتنظيم هذه المعارض كما دعوناهم لإقامة الصلاة في المتحف، حتى يطلع التايوانيون على ثقافتهم والتسامح الذي يتميز به الدين الاسلامي، ونتعاون مع جمعية الطلبة المسلمين في تايوان ونريد ان يعرف مواطنونا الثقافة الاسلامية ليتعاملوا بشكل جيد مع المهاجرين المسلمين وثقافتهم، خاصة خلال شهر رمضان».

مجلس منتخب

يشرف الحاج علي فانغ على شؤون المسجد الكبير في تايبيه، وهو مسجل كمؤسسة دينية لدى الحكومة التايوانية.
ويدير المسجد مجلس يتم انتخاب اعضائه وفق القانون، وله صندوق يجمع تبرعات وينفق عليه وفق النظام ولا يأخذ دعما من الحكومة.
ليبيا ثم السعودية

درس الدكتور ابراهيم جاو، الذي يتقن العربية بشكل لافت للانتباه في تايوان وفق النظام الديني الاصلي، ثم درس في ليبيا أيام حكم الملكية، ليواصل لاحقا دراسته في جامعة ام القرى في المملكة العربية السعودية، حيث حصل على شهادة دكتوراه في الشريعة.
دور كويتي

سعدت إدارة المسجد الكبير بتايبيه بزيارة القبس وحرص صحيفة كويتية على نقل صورة حقيقية عن المسلمين في أقصى شرق آسيا للعالم العربي.
وقال الدكتور إبراهيم جاو ان للمسجد تواصلا مع وزارة الشؤون الاسلامية والاوقاف الكويتية وقبل سنوات كان لديهم برنامج لتبادل زيارات مع الكويت الذي قال إنها تولي عناية خاصة للاقليات المسلمة في العالم.

د. إبراهيم جاو
المسجد الكبير في تايبيه

عدد الزيارات : 960 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق