> فن وثقافة

أنتم المغرورون أيها الشعراء.. لماذا؟


أنتم المغرورون أيها الشعراء.. لماذا؟

محمد توفيق -  أنا من نظر الأعمى إلى أدبي.. وأسمعتْ كلماتي مَنْ به صممُ!.. هكذا مجّد نفسه أبو الطيب المتنبي، في قصيدته التي ألقاها في حضرة سيف الدولة الحمداني، لكن «تطاوُس الشاعر» بلغ حده الأقصى حينما قال: سيعلمُ الجمعُ ممن ضم مجلسنا.. بأنني خير من تمشي به قدمُ!، وهنا وفق الروايات طرده سيف الدولة من مجلسه إذ استشعر أن المتنبي تعمّد إهانته والتقليل من شأنه!، غير أن المتنبي لم يكن وحده المتضخم الذات، فقد سبقه عمرو بن كلثوم بالتفاخر وتضخم الذات حيث قال في معلقته الشهيرة: ونشربُ إنْ وردنا لماءَ صفواً.. ويشربُ غيرُنا كدراً وطينا وهو القائل في المعلقة نفسها: إذا بلغ الفطامَ لنا صبي.. تخرُّ له الجبابرُ ساجدينا. وإذا كان الشعرُ ولا يزال فن العربية الأول، فمنذ فجر تاريخه والشعراء متهمون بالغطرسة والنرجسية وتضخم الذات، والانفصال عن الواقع أحياناً، فهل هذه الاتهامات صحيحة؟. القبس توجهت بالسؤال إلى مجموعة من الشعراء وكتاب القصة والرواية، لاستطلاع رأيهم في مدى صحة وصم الشعراء بالغرور والنرجسية، وهل كتاب السرد روايةً وقصة ومسرحاً وغيرها أكثر رزانةً واتزاناً من الشعراء، ومن ثم أكثر تعايشاً وتكيفاً مع واقعهم ومحيطهم الاجتماعي؟ إستبرق أحمد بداية ترى القاصة استبرق أحمد أن الشعر في وعي الجماعة لدينا كان أعلى من السرد بمراحل، لذا ما لفت النظر وأربك الناس في القرآن هو علو كعب اللغة وطغيان الدهشة في كونها ليست لغة شعرية ومنهجها القص. ولفتت إلى العديد من الأسباب التي كانت تميّز الشعر منها: محبة العقل الجمعي «للغة»، قدرته الترويجية بنكهة مخدرة لتاريخ أو سلطة ما، الزهو المجتمعي بالشاعر، اعتبار لغة الشعر ليست للعامة، اختلافه عن غيره بالخيال، وهكذا في عصور شتى تلبست بعض الشعراء النجومية ودوختهم، حتى تحوّلت الأزمنة فخفّت الحالة المستعصية لأسباب لا حصر لها، وارتفعت مكانة السرد وتنوعت أنواعه، كما ظهرت لغة أليفة ويومية وبانت قصيدة النثر وزادت النزعة السردية أكثر في الشعر، فلم يعد الشاعر محتكرا للمنصات، إذ نافسه السارد/الساحر في نصوص تبدو الحقائق فيها كالمنشور الزجاجي تحتفي بقارئ الاحتمالات والانكسارات أكثر. وادي عبقر! أشرف البولاقي لماذا أنتم مغرورون؟ سألنا الشاعر أشرف البولاقي فضحك وقال: مذ عرفنا الشعر، وتهمة التعالي والغرور ملازمة للشاعر، لأنه يبدو مختلفا ومميزا عن الآخرين، لكننا فهمنا جميعا أن إحساس الشعراء بتعاليهم وغرورهم مناطه فضاء الكتابة أو القصيد، ظهر ذلك فيما نقلته لنا كتب التاريخ عن أسواق العرب وردود الشعراء على بعضهم البعض، وتأكدنا منه ونحن نقرأ المتنبي وأبا نواس وغيرهما من شعراء العربية، لكننا لا نظن أن غرور الشاعر وتعاليه كان مظهرا من مظاهر ممارساته الحياتية والاجتماعية مع الناس أو في الأسواق العامة وقضاء الحاجات، والذي يصنع ذلك أو حتى يستشعره في نفسه لا يعرف شيئا عن الشعر. ويتطرق البولاقي إلى الساحة الأدبية العربية الآن قائلاً: مع تراجع الشعر قليلا، وإفساح المشهد للسرد والرواية، كان طبيعيا أن ينتقل الإحساس المشار إليه إلى الروائيين الذين تصدّروا المشهد الآن، وأكاد أعتقد أنهم أقل استشعارا من الشعراء، لأن السرد لم يرتبط في الذهنية العربية بوادي عبقر، ولا بجن، ولا بوحي، ولا بإلهام، ولا باصطفاءات سماوية مثلما روّج الشعراء لأنفسهم كما أن السرد متعلق أكثر بالواقع وتفاصيل الحياة. اللغة تطيعهم! ريما حمود الروائية ريما حمود تشدد على أن للشعر مكانة عظيمة عند العرب، فالشاعر أداة إعلامية لقبيلته وكل أبواقها، واحتفال العرب بظهور شاعر بينهم يصوغ لهم المجد مواجها شعراء القبائل الأخرى متغنيا بأمجادهم وتاريخهم ما زال راسخا في عقول شعراء يومنا هذا. وتضيف: في مقارنة بين الأصدقاء على وسائل التواصل ستجد عدداً لا يستهان به ممن اختاروا بدء أسمائهم بلقب الشاعر - والذي قد لا يليق بهم أبدا - والمتجول في صفحات هؤلاء يشعر بتضخم ذواتهم، الذي بدأ فور كتابته لأول قصيدة، لذا فالغرور صفة قد تلحق ببعضهم رغم ضعف أدواتهم وقدراتهم الشعرية، والشعراء يمارسون الشعر بصفة يومية، وفي كل مناسبة يتأتى لهم الحديث فيها، وربما كان هذا سببا لبعض الغرور لديهم، فالشعر كائن نوراني، شفيف تتقنه الأرواح النقية، التي تئن وتفرح حقا لما يحدث حولها، لذا تجد اللغة مطواعة سلسة رائقة بين أيديهم. وتطرقت حمود إلى كتّاب السرد رواية وقصة، قائلةً: من النادر جدا أن تجد أحدهم بدأ اسمه بلقب القاص او الروائي؛ ومن وجدته فعل ذلك كان عاجزا عن إثبات ذلك، فالسرد لعبة مرواغة، قد يكون سهلا حاضرا أحيانا؛ وقد يتفلت من كاتبه شهورا. القبعة والغليون! سعد الأحمد   من جانبه، يستعيد الشاعر سعد الأحمد الصورة الذهنية لشكل المثقف، قائلاً: تظاهُر «ممتهني الثقافة» بالشكل الثقافي، والتصرف على أنهم أعلى أو أسمى من غيرهم، وارتداء الملابس والقبعات الدالة، وتدخين الغليون أو السيجار لإثبات الشكل، ظواهر انتهت، لذلك أسأل في أي عصر لازلتم تعيشون؟ وهذا التساؤل لا يعني الشعراء فقط، بل كل المثقفين الحقيقيين ومن هم دون ذلك، فكل فن من فنون الأدب ليس له اي علاقة بالشخص الذي يقدم هذا الأدب، فالأمر يختلف حسب الشخوص لا الجنس الأدبي الذي ينتمون إليه، ناهيك عن نظرية أن الشعر أبو الأدب وانه أساسهم، والتي تجعل ممن يمتهن هذا الأدب يشعر بأنه أسمى من غيره. متأمل وشغوف فتحي عبدالسميع الشاعر فتحي عبدالسميع يرفض الربط بين الشاعر والغرور، قائلاً: أعتقد أن غرور الشعراء يعبّر عن حالات فردية، والتكريس له باعتباره حالة عامة تكريس لخرافة تتجاهل الواقع وتتجاهل طبيعة الشعر، وعلينا التأكيد في البداية أن الشاعر إنسان كأي إنسان، فيه ما فيه من الصفات العظيمة، وفيه ما فيه من النقص الإنساني والأمراض الشخصية والأمراض الشائعة في بيئته، وعندما نميزه بحكم علاقته بالشعر نجده الأكثر قدرة على تحدي تلك الأمراض لا العكس. وأضاف: الشاعر منفتح على العالم بشكل أكبر وأعمق، وهذا يمنحه تأهيلا خاصا وقدرة كبيرة على احترام كل مفردات العالم، والتماهي عاطفيا وروحيا معها، وعدم الوقوع في أسر الصور النمطية والزائفة عن الذات والجماعة، بل والنوع الإنساني، الشاعر في تأمله وقراءاته المتواصلة والشغوفة يتجاوز الكثير من الحواجز والحدود التي تصب في مصلحة التواضع لا الغرور، فالشاعر وهو يصغي لكل شيء باهتمام لا يمكن أن يسمع جيدا إذا كان مغرورا متشبعا بأورام الذات وتضخمها المرضي، وعليه أن يواجه ذاته بصدق مهما كان مستمتعا بهذا التضخم، أو مستفيداً من الاتجار به. هوس تصنيفي مختار عيسى أما الشاعر والروائي مختار عيسى فيفتح النار على المتغطرسين بصفة عامة قائلاً: يظن بعض من يتصورون أنفسهم نُخباً أنهم خارج التصنيف البشري، وأن الله اصطفاهم وأعلاهم فوق آدميتهم، وهذا برأيي ضرب من الهوس التصنيفي الذي يغرم به كل من يتعامل مع الثقافة بوصفها حكرا على جماعة الكتاب ومن بينهم الشعراء، وبالمقابل فإن عددا ليس هيناً من البشر يتعاملون مع الشعراء بوصفهم صورا للغرور والافتتان غير المبرر بالذات، وربما يرجع هذا لكون الشعر، في كثير من تصورات الشعراء أو النقد فناً للخاصة، وأن الأودية التي يهيمون فيها ليست إلا مرايا لذواتهم المتعالية، حيث تعلو نبرات التعبير الصريح بالأنا الفاخرة، أو حتى المنكسرة، بصورة تجعلهم وحدهم في شرنقة الافتتان الذاتي والاستعلاء على المتلقين، وقد يكون هذا مبررا إذا ما نظرنا إلى جماعات المتلقين في عمومها والفجوة الكبيرة بين الإبداع لكونه يجاوز النمط ويثور على الاستنساخية، والتقي الذي قد يتوقف عند الدرس الأكاديمي وفق ذائقة تثبيتية تحنيطية، خصوصا ومؤسساتنا الأكاديمية والوسيط الناقل قد يتواطأ فيرفع من شأن تفاهات تنشر عبر الصحف أو وسائل الإعلام الأخرى، ويتغاضى عن منجزات المبدعين الذين يشعرون مع هذا التجاهل بالاغتراب، ومن ثم تحدث القطيعة بين رسالتهم ومتلقيها فيظن الناس فيهم غرورا وتعاليا. وأضاف: من عجب أن بعض القراء أو النقاد قد يتغافل عن ركائز المحتوى الشعري وآليات التعبير بهذا الفن المستعصي على التأطير، فيستريحون للتعامل مع السارد قصصا، باعتباره يتنصل من ذاتية الرؤية والالتفاف حول محور واحد، ويقدم شخصيات وأحداثا بينها من التباين والتقاطع ما يجعل النص بعيدا عن واحدية الرؤية، ومن ثم يكون التنوع والتعدد نافيا للالتفاف حول ذات واحدة فينتفي الاتهام بالتعالي والغرور، وهذا محض افتراض، فكم من السرود الذاتية والسردة المتعالين، حتى على شخصيات سرودهم، وما الراوي العليم ببعيد عن فكرة الاستعلاء أو الغرور المستند إلى تصوره الإحاطة بكل أبعاد شخصيات عمله وقدرته كإله متحكم على إدارة الرواية أو القصة بما يخدم تصوره الخاص عن العالم والأشياء. بذرة الغطرسة! قالت الأديبة استبرق أحمد: حتى لا نبالغ في رجم الشاعر يجب علينا تأكيد أن «البذرة المتغطرسة» هي صفة كامنة في النفس البشرية، تظهر أو تطمر أياّ كان الفن لتنكشف في السلوك أوالعمل الإبداعي، أما الملاحظ فسابقا فلم يكن يجرؤ صاحب الفن الضعيف على «الانتفاخ»، أما الآن فوسائل التواصل الاجتماعي تكرسه. الرزانة والأدب شدد الشاعر سعد الأحمد على أن الرزانة جانب من الجوانب السيكولوجية للإنسان فلا تصب في منتوجه الأدبي، وعلينا ان نقرأ جيداً المنتج الأدبي بعيداً عن الشاعر أو الكاتب، فنحن لسنا نقادا حتى نحلل المحتوى الأدبي بناء على شخصية الكاتب وظروفه. التعالي ضد الإنسانية يرى الشاعر أشرف البولاقي أن أي غرور أو تعالٍ عند كتّاب السرد مردّه الشهرة والذيوع، وليس مردّه النوع الإبداعي الذي يمارسه، وفي الحاليْن، المبدع مختلف ومميز، لكنه ليس فارقًا ولا معجزًا، وأي استشعار لعظمة أو لقداسة، أو لتعالٍ يَخرج بصاحبه من الفضاء الإنساني القيَمي الذي يجب أن يتحلّى به المبدع


عدد الزيارات : 2070 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق