> فن وثقافة

ثريا البقصمي: جنود الاحتلال اقتحموا مرسمي.. ولم يفهموا لوحاتي


ثريا البقصمي: جنود الاحتلال اقتحموا مرسمي.. ولم يفهموا لوحاتي

عادة في ذكرى الغزو العراقي الغاشم (2 أغسطس 1990) ما نبحث في مدوناتنا المكتوبة؛ من سجلات تاريخية، ووثائق، وأعمال روائية حاولت أن ترصد ما أفلتته قبضة التاريخ. غير أن ما ننساه أن الصورة والمشهد هما أهم ما يوثق لحظات الرعب والعدوان المباغت. لم يكن الفنان التشكيلي الكويتي بعيداً عن تجسيد العدوان على أرض آمنة، بل امتد نشاطه ليكون داعماً أحياناً للمقاومة من خلال نشر ملصقات معبّرة عن رفض الاحتلال. في حوارنا مع الفنانة ثريا البقصمي استعادت الأيام الأولى للغزو، وكيف عاشتها هي وأسرتها، وكيف انعكست الصدمة على أعمالها الفنية، حيث حولت أحد هذه الأعمال إلى منشور للمقاومة، كما حاولت استنقاذ أعمال الفنانين الكويتيين في المرسم الحر، مواقف لا تنسى، بقدر ما يجد الفنان نفسه في مواجهة وجودية تخص حياته وحياة بلاده كلها. تقول البقصمي لـ القبس: ما زلت أذكر في الـ5 من أغسطس عام 1990، بعد 3 أيام من الاحتلال، اني دخلت مرسمي وبدأت أرسم لوحتي التي بعنوان «لا للاحتلال»، واتبعت فيها أسلوب «حفر لاينو»، وكان لدي مكبس صغير، فطبعتها، وأصبحت مشروع ملصق يوزّع على أفراد المقاومة الكويتية باعتباره منشوراً فيه احتجاج على الاحتلال، وهو يمثل رجلاً وامرأة كويتيين ووراءهما مكتوب «لا للاحتلال». وبالفعل طُبع الملصق، وأعطينا مجموعة منه لأفراد المقاومة، وبعدها جرى اعتقالهم، وخبأت القالب الذي حفرته، ومزقت النسخ التي لدي استشعاراً لخطورة الموقف. طوق نجاة لم تتوقف البقصمي عن العمل خلال فترة الغزو، بل تابعت عملها وكان الفن «طوق نجاتها»، تقول البقصمي: خلال فترة الـ8 أشهر التي كنت فيها في الكويت إبان الاحتلال عشت القصة كلها من البداية للنهاية، وقبل التحرير بثلاثة أيام تحولت إلى زوجة أسير، وكان الفن هو طوق النجاة بالنسبة لي. كنت ادخل يوميا مرسمي واعمل من دون توقف فأنجزت ما يقارب 85 لوحة. وأعمالي كانت كلها رمزية وما ساعدني في الموضوع انني قبل الاحتلال كنت قد أعددت مجموعة من اللوحات تمثل رموزا مستوحاة من أختام جزيرة فيلكا، وباستخدام هذه الرموز أجريت مجموعة من الإسقاطات في أعمالي؛ فكان العقرب في الرمز هو الجندي المحتل، والغزالة هي الكويت، وهناك بعض الشخوص البدائية تمثل براءة الإنسان الكويتي... هذه الرموز وضعتها في الأعمال التي انجزتها في هذه الفترة، وكان ذلك نوعا من الحماية. واذكر عندما اقتحم مجموعة من الجنود مرسمي مع ضباط عراقيين، كنت قد بدأت أرسم لوحات اشخاص أعطيهم طابع المومياء، فهم ملفوفون في كفن أبيض تعبيرا عن الموت الذي خلفه المحتل. وتساءل الضابط: لماذا هؤلاء الشخوص من دون شعر و«صلعان»؟ وسؤاله أعطاني نوعا من السعادة أنه لم يفهم الرمزية التي انطوت عليها. رسومات خطرة المغامرة بالنفس تختلف عن وضعية المسؤول عن أسرة... هكذا وجدت البقصمي نفسها مع طفلتيها اللتين كانتا ترسمان اللحظة أيضا بشكل يهدد أمنهما. تتذكر البقصمي في حديثها تجربة أخرى مع ابنتيها منيرة وفاطمة وكانتا ما تزالان طفلتين، ورسومهما مباشرة، تصور لحظات الرعب التي تعيشانها، وتصوران جنود الاحتلال على هيئة قردة وشياطين. «كانت رسومهما صادقة، وهذا سبب لي مشكلة كبيرة، فكنت احاول التخلص منها. ولحسن الحظ أنني استبقيتها وخبأتها في فتحات التكييف حتى لا تتسبب في مشكلات كبيرة لنا». ‏سينتهي هذا الإعلان خلال 10   المرسم الحر وعن الاعتداء على الأعمال الفنية في المرسم الحر تقول البقصمي «بعد اسبوع من بداية الاحتلال جاء مجموعة من الشباب واخبروني أن المرسم الحر وطأه الجنود، وهو يتعرض للنهب، وقالوا ان لديهم سيارة خاصة وبإمكانهم اصطحابي إلى هناك لإنقاذ أعمال الفنانين في المرسم، لكن حين وصلت وجدت ان الموضوع بالغ الصعوبة ونصحني بعض الفنانين ألا أغامر لأن هذا يمكن أن يعرض حياتي للخطر». ذهبت البقصمي إلى بغداد وزارت الأسرى الكويتيين، وحاولت استنقاذ لوحاتها التي كان من المفترض أن تشارك بها في «بينالي» المزمع إقامته في أكتوبر 1990. كما حاولت ان تحصل على لوحات الفنانين الكويتيين، لكنهم رفضوا تسليمها اياها. بعد التحرير كان أول معرض بعد التحرير تقدم فيه البقصمي الأعمال التي نفذتها خلال الاحتلال في مدينة بافوس بقبرص في عام 1991. تقول البقصمي: «وما زلت أذكر أنه في افتتاح المعرض كان الجمهور القبرصي يبكي لأنه عانى تجربة مشابهة لتجربتهم مع الاحتلال، فكان هناك تجاوب وفهم عميق لقضية فنان يريد أن يهرب من الرعب والدمار من خلال لوحاته. وفي صيف 1991 نفسه أقمت معرضاً شخصياً في لندن، وبعد ذلك شاركت في معرض في إدنبره في اسكتلندا.. وما زلت أذكر وزير الثقافة الاسكتلندي الذي افتتح المعرض حينما قال أنا شعرت بالألم بشكل أكبر من خلال الرسومات واللوحات أكثر مما هو موجود في الصور.. كنت خلال فترة الاحتلال آخذ الأحجار من محيط منزل قيد الإنشاء، لأرسم عليها، بينما كان الجنود العراقيون يأخذونها لإقامة المتاريس». 


عدد الزيارات : 822 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق