> دولي

ترامب بثّ التفرقة عبر خطاب الاستقلال


ترامب بثّ التفرقة عبر خطاب الاستقلال

عادة، تكون الاحتفالات بـ«يوم الاستقلال» في الولايات المتحدة بمنأى عن الأحداث السياسية والحملات الانتخابية، لكن هذا الأمر لا ينطبق على الرئيس دونالد ترامب، الذي خرق في خطابه، السبت، التقاليد الراسخة. وتواجه الولايات المتحدة ارتفاعاً قياسياً في إصابات وباء «كورونا»، وتظاهرات عارمة ضد العنصرية، وانخفاضاً حاداً في الاقتصاد، وواحدة فقط من هذه الأزمات كفيلة بإيقاع ضرر كبير بفرص ترامب للفوز بفترة ثانية، فلماذا يبدو واثقاً بالفوز؟ وما أدواته التي يراهن عليها؟ صورة البطل سأهزم «اليسار المتطرف» كما هزمنا «النازية»، هكذا استهل ترامب الحديث عن الاحتجاجات العارمة التي تجتاح أميركا، بعد مقتل جورج فلويد المواطن الأميركي من أصل أفريقي على يد رجل شرطة أبيض. «الأبطال الأميركيون هزموا النازيين والفاشيين والشيوعيين وأنقذوا القيم الأميركية وحموا مبادئنا وطاردوا الإرهابيين إلى أطراف الأرض. ونحن الآن بصدد هزيمة اليسار المتطرف والماركسيين والفوضويين والمحرضين واللصوص، والناس الذين في كثير من الأحيان لا يملكون أدنى فكرة عما يفعلون». الرئيس الجمهوري اليميني يستميل أنصاره عبر تصوير نفسه على أنه بطل أميركي يسعى لهزيمة خصمه الديموقراطي جو بايدن الذي يمثل «اليسار المتطرف والماركسيين والفوضويين». حماية التاريخ بالنسبة لساكن البيت الأبيض العنصرية جزء رئيس من تاريخ البلاد، والتنكّر لرموزها الآن تنكُّر لذلك التاريخ: «ماضينا ليس عبئاً علينا كي نتخلص منه. لن نسمح أبداً لغوغائيين غاضبين أن يحطموا تماثيلنا أو أن يمحوا تاريخنا أو أن يشوهوا عقول أطفالنا أو يعتدوا على حرياتنا. سنحمي قيمنا وعاداتنا وأعرافنا ومعتقداتنا». وأسقط متظاهرون تمثال كريستوفر كولومبوس في مدينة بالتيمور الواقعة على الساحل الشرقي للولايات المتحدة، وقال ترامب: «سنقاتل معا من أجل الحلم الأميركي، وسندافع عن أسلوب الحياة الأميركية الذي بدأ في عام 1492 عندما اكتشف كريستوفر كولومبوس أميركا، وسنحميه ونحافظ عليه»، مهاجما بذلك المتظاهرين المناهضين للتمييز العنصري. تأثير الإعلام بدا ترامب في خطابه أكثر هدوءاً وثقة، بصورة لافتة، على الرغم من أن استطلاعات الرأي تُظهر تأخُّره بفارق كبير عن بايدن، وعلى الرغم من الضرر الكبير الذي لحِق بساكن البيت الأبيض بعد صدور كتاب مستشاره السابق للأمن القومي جون بولتون، الذي كشف كثيراً من الأسرار المتعلّقة بكيفية اتخاذ القرار داخل دائرة ترامب المقربة. ويرى بعض المراقبين المحايدين أن تأثير وسائل إعلامية على قاعدة ترامب الانتخابية يبدو ضعيفاً على أقل تقدير. دعاية «كورونا» واصل ترامب مخاطبة انصاره حول إنجازات إدارته في مواجهة الوباء: «لقد أجرينا فحوصات كورونا لنحو 40 مليون شخص، وبهذه الطريقة اكتشفنا حالات الإصابة -%99 منها غير ضار بالمرة - وهذه النتائج لا توجد بأي بلد آخر في العالم، لأنه لا يوجد بلد آخر بالعالم يجري هذا العدد الهائل من الفحوصات. لا أحد آخر يقارَن بنا وليس فقط من حيث العدد، بل من حيث جودة الرعاية الصحية». ووجَّه سهامه نحو الصين: «لا بد أن تتم محاسبة الصين» (بسبب انتشار الوباء)، كما كرر تأكيداته بأن الولايات المتحدة سيكون لديها «لقاح ضد كورونا قبل نهاية العام الجاري بفترة طويلة». اكتساب الخبرة إن قاعدة ترامب الانتخابية هي اليمين المتطرف من البيض الأميركيين، ونواتهم الصلبة وهي المسيحيون الإنجيليون، وهؤلاء هم من وضعوا الرجل على مقعد الرئاسة قبل أربع سنوات، في مفاجأة لم يتوقعها أحد. هذه القاعدة الانتخابية هي الشغل الشاغل لترامب، وحولها تدور خطاباته ورسائله. والمؤكد أن ترامب اليوم كمرشح قد اكتسب خبرة لم يكن يمتلكها قبل أربع سنوات، والسؤال هو: هل تصبُّ تلك الخبرات في مصلحته أم تكون سبباً في هزيمته؟ حرب ثقافية   في المقابل، وصف مقال في صحيفة «نيويورك تايمز» خطاب ترامب بأنه ظلامي ومثير للتفرقة، متهما إياه بمحاولة إثارة الصراع بين الثقافات. وانتقد المقال الذي كتبته الصحافية آني كارني تصريح ترامب أمام حشود من أنصاره بأنه يخوض معركة ضد ما وصفه باليسار الراديكالي الجديد الذي يسعى لمحو قيم الأمة وتاريخها. وأشارت كارني إلى أن حدة ترامب الذي يواجه أزمة تفاقم تفشي «كورونا» وتعثر حملته الانتخابية الذي عكسته استطلاعات الرأي يدخلان في إطار الجهود التي يبذلها لإعادة انتخابه، وقد وظّف خطابه لشن حرب ثقافية شاملة على اليسار الذي صوّره على أنه يحرّض على الفوضى ويدفع البلاد نحو نظام استبدادي. ورأت الكاتبة أن خطاب ترامب دليل آخر على بُعده المتزايد عن هموم المواطنين الأميركيين وقلقهم الشديد المتنامي بشأن الأزمة الصحية التي تجتاح البلاد، كما رأت أن الخطاب سلّط الضوء على مدى تعويل ترامب على مجموعة يسيرة من الأميركيين لإنجاحه لولاية رئاسية ثانية، واعتماده لتحقيق ذلك على تغيير الموضوع واللجوء لخطاب التخويف والتفرقة. حرق العلم.. ومطالبات بإقالة الرئيس ونائبه بعد دقائق من انتهاء خطاب ترامب، أحرق متظاهرون العلم الأميركي في ساحة «حياة السود مهمة»، قرب البيت الأبيض، مرددين: «واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، العبودية والإبادة والحرب، خمسة ستة سابعة، أميركا لم تعد عظيمة»، وذلك في إشارة للشعار الذي يرفعه ترامب «لنجعل أميركا عظيمة مجدداً». وذكر موقع «ذا هيل» الأميركي أنه تم تنظيم حرق العلم من قبل الحزب «الشيوعي الثوري»، وخلال كلمة قبل الحدث، أعلن المتظاهرون رفض الفاشية، في وقت شهدت العديد من الولايات احتجاجات تطالب بإقالة ترامب ونائب الرئيس مايك بنس من منصبيهما. وفي الوقت ذاته، نشرت مجموعة «رفض الفاشية» على موقعها الإلكتروني فيديو لتحطيم تمثال ترامب الموجود أمام برج قطب العقارات السابق في نيويورك. إلى ذلك، تداول مغردون مقطع فيديو لحادث مروع، يظهر تطاير أجساد متظاهرين، بعدما اندفعت سيارة مسرعة، وسط تظاهرة داعمة لحقوق السود بمدينة سياتل بولاية واشنطن. ووفق صحيفة «نيويورك بوست» الأميركية، فإن مرتكبي الحادث شابان في أواخر العشرينيات من العمر، استطاعت الشرطة القبض عليهما بعدما هربا من المتظاهرين الذين تمكنوا من اللحاق بهما. يذكر أن سياتل كانت من أوائل الأماكن التي شهدت احتجاجات على مقتل فلويد

عدد الزيارات : 777 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق