> فن وثقافة

عبدالله البصيص: مِقصُّ الرقيب في الكويت عشوائي!


عبدالله البصيص: مِقصُّ الرقيب في الكويت عشوائي!

محمد توفيق - يبدع في صمت وهدوء، ويرفع شعار«الكتابة تُغني عن أي صخب»، فالكلمة بنظره رسالة نور وجمال، لذا يمضي في مشروعه الإبداعي بلا ضجيج، ويتأنى في الطرح والتواجد، ليقدم للقارئ أعمالاً روائية ذات بصمة تميزه. إنه الروائي الكويتي عبدالله البصيص الذي بدأ مسيرته الأدبية شاعراً، ثم انتقل إلى الرواية، فحقق فيها تميزاً ملحوظاً، وقد حققت روايته «طعم الذئب» انتشاراً كبيراً، على الصعيدين الكويتي والعربي، بعد فوزها بجائزة أفضل رواية في معرض الشارقة للكتاب عام 2017، كما استُقبلت روايته الجديدة «قاف قاتل سين سعيد» بحفاوة من النقاد والقراء، نظراً لموضوعها المثير الذي يتخذ من البوليسية مدخلاً ومنطلقاً للأحداث. وإذا كانت أولى رواياته «ذكريات ضالة» قد عرفه القراء من خلالها، فما بينها وبين «طعم الذئب» بون شاسع، فالأخيرة تلخص رؤيته الفلسفية وتأملاته في حياة ساكني الصحراء، بينما يفرد مساحة كبيرة لسبر أغوار النفس البشرية بتناقضاتها واضطراباتها وقلقها الفطري. القبس حاورت عبدالله البصيص الذي تحدث عن رؤيته حول الواقع الأدبي، مؤكداً أن مقص الرقيب عشوائي وانتقائي، ويسير على غير هدى في الكويت، لافتاً إلى أن بريق الجوائز إذا خطف عيون المبدعين وأصبح جل همهم الفوز في مضمار السباق، فإنهم سيفقدون لا شك تأثيرهم في القراء والمجتمع. يتحدث البصيص عن أولى خطواته على طريق الكتابة قائلاً: في بدايتي كنتُ قارئاً، ثم قارئاً جيداً، ثم قارئاً ممتازاً، حتى شعرت أنني فهمت كيف تدور التروس في آلة الكتابة، وقررت أن أجرب نفسي في قصة قصيرة نشرتها في أحد المنتديات ولاقت استحسان القراء، فتجرأت بعدها. لكنك بدأتَ شاعراً ثم تحولتَ إلى الرواية، ولستَ وحدك في هذا الانتقال بين فني العربية، فما سر هذا التحول؟ وهل حققتَ بالرواية ما لم تحققه بالشعر من طموح وذيوع ومكسب مادي ومعنوي؟ سألنا البصيص فقال: تحولتُ من كتابة القصيدة إلى كتابة الرواية، لأن الشعر ليس هو القصيدة، إنه شيء آخر يساء فهمه دائماً ويرمى على مشجب القصيدة. ويضيف: مع بداية توسعي في القراءة - وبالتالي اتساع المساحة في وعيي بالأفكار - صرت أريد قالباً آخر أكبر من قالب القصيدة لأفرغ فيه ما يدور في رأسي من دون عرقلة خطوط الوزن وعقبات القافية، وجدت في الرواية فضاء لا متناهي الأطراف، أستطيع أن أفعل به ما أشاء - وفقا لأدواته المرنة - من دون أن يمنعني حاجز، مع العلم أنني حققت بالشعر انتشاراً أكبر مما حققته في الرواية حتى الآن، ولا يزال القراء يتداولون أبياتي أحياناً من غير اسمي أحياناً. وفي الوقت الذي يرى البعض أن الشعراء المتحولين إلى الرواية بأن «عيونهم على بريق الجوائز» وما تحققه الكتابة السردية عموماً من مكاسب مادية لا تتحقق في الغالب من وراء الشعر الذي يعد جمهوره قليلاً وفضاءه محدوداً، يؤكد البصيص أن أي كاتب يكتب وعينه على جائزة لن يصل عمله إلى المستوى الذي يرتقي باسمه ويحقق التأثير المطلوب في القراء والمجتمع، نعم، الجائزة تختصر الطريق وتصدح بالعمل، لكن لا ينبغي أن تكون هي المقصد من وراء الكتابة، ثانيا، جوائز الشعر أكثر حضورا في الساحة الاجتماعية – أعني الشعر النبطي الذي كتبته – ومبالغها تفوق مبلغ أكبر جائزة في الرواية خمس مرات، ومع هذا تركت هذا المجال لأنني لا أبحث عن الجوائز. وتحدث البصيص عن روايته «طعم الذئب» والتي تحمل رؤية فلسفية حول الحياة في الصحراء والموروث القبلي كما تفلسف الموت والحب والكراهية والسلطة والقوة، بجانب متناقضات الواقع وآلامه، مبيناً أن لكل رواية تكنيكها الخاص وأدواتها ومواضيعها وطريقة تناول يجب أن تميزها عن الأخرى، فـ«طعم الذئب» يغلب عليها التأمل، فكان لا بد من فلسفة الأشياء من وجهة نظر البطل، وبما يتماشى مع مستواه المعرفي. وربما لأن لدي ميولاً إلى فهم ما وراء الأشياء صار انعكاس هذا دون وعي مني في كتاباتي. سألنا البصيص: البعض يصف الساحة الأدبية في الكويت بأنها «ملعب بلا حكم» بمعنى ان الكثير من الأعمال الإبداعية تصدر بلا فلترة، ولا نقد يواكب كل هذا الزخم في الإصدارات والكتابات. إلى أي حد تؤيد هذا القول؟ فأجاب: «النقد مهم فعلا ونحن في حاجة للنقد الجاد الخالي من الشخصانية، مشكلتنا في الكويت ليست في النقد، بل في مزاجية الناقد، فالساحة الكويتية تحتاج إلى ثقافة نقد النقد لكي يلتزم الناقد بأدواته ويعرف أن وراءه من يرصد خروجه عنها». وحول روايته الجديدة «قاف قاتل» سين سعيد وهل تنتمي إلى الأدب البوليسي، أوضح بالقول: قاف قاتل ليست بوليسية بالمعنى المعروف، لكنها تتخذ من البوليسية مدخلا وغطاء لدفع الأحداث فقط. الحديث عن الرقابة في الكويت يبدو مستهلكاً ومكرراً، لكنه يتجدد مع كل مصادرة للكتب، وما يحدث في معارض الكتب في الكويت كل سنة ليس ببعيد، فكيف نجا عبدالله البصيص من مقص الرقيب وتشدده؟ أم أنه يتوخى السلامة قبل ظهور العمل إلى النور؟ عن ذلك يقول البصيص: هذ الأمر غامض ولا أحد يعرف كيف تسير القرارات فيه، فهو عشوائي أفلت منه من أفلت ووقع من وقع، ومن وجهة نظري أن الرقيب ليس متشددا، لكنه يسير على غير هدى، فالملاحظات التي يمنع بها كتابا، تجدها في كتاب آخر مفسوح. لا تُذكر الرواية في الكويت إلا ويبرز اسم رائدها ومؤسسها الأديب الراحل إسماعيل فهد إسماعيل. إلى أي حد استفدتَ من تجربته؟ وإلى أي مدى تسير وأبناء جيلك على خطاه؟   - الإنجاز الأهم لإسماعيل هو الساحة الروائية الكويتية نفسها. إسماعيل كتب الرواية في وقت لم يكن فيه قراء للرواية إلا قلة لا يتجاوزون المئة في بحر من قراء الشعر ومحبيه. مثابرته على الرواية وحفره في الصخر حتى أوجد بيئة مناسبة للرواية ومساهمته في تصويب كتابة الكتاب من أبناء جيلي لهو أمر يستحق عليه لقب «أبو الرواية الكويتية». أما علاقتي الشخصية بأبو فهد فهي سطحية جدا، لم نتواجه إلا ثلاث أو أربع مرات، في ملتقى الثلاثاء وفي معرض الكتاب، أما من ناحية التأثير فلم أستطع أن أقرأ لاسماعيل إلا رواية واحدة. مع اعترافي الصادق بأنه كاتب عظيم. قلنا للبصيص: أنتَ مُقل في التواجد والمشاركة في الندوات والفعاليات الأدبية والثقافية، لم ذلك؟ البعض يرى انك انعزالي بعض الشيء فهل هذا صحيح؟ فقال: إذا كان لدي شيء مهم أريد أن أقوله فسأتواجد بالتأكيد، لكن الظهور لمجرد الظهور أمر مخالف لشخصية الكاتب الجاد، أما الانعزالية فأنا اجتماعي في محيطي بالقدر الذي أستطيعه. «لكل عمل أدبي حظه المكتوب له».. ويُلاحظ ان رواية طعم الذئب كانت المحظوظة أكثر من مجموعتيك القصصيتين ورواياتك الثلاث، فلم يُعرف عبدالله البصيص بصورة جيدة إلا بطعم الذئب التي نالت جائزة أفضل رواية في معرض الشارقة للكتاب عام 2017، بم تفسر ذلك؟ أجاب البصيص بالقول: السؤال يفترض أن رواية ذكريات ضالة لم تصل إلى القراء بالرغم من أنها هي التي عرفتني بالقراء في الوطن العربي.. ويفترض كذلك أن رواية قاف قاتل، التي صدرت قبل خمسة أشهر، لم تصل إلى القراء بالرغم من اصدائها المتفائلة. حسنا.. سأجيب على افتراض السؤال: الجائزة كما ذكرت تختصر الطريق على الكاتب إلى القراء، وهذا ليس عيبا في العمل نفسه، فربما يكون العمل رائعا لكن لا يجد له صدى إلا بعد مضي سنوات طويلة كما حصل مع روايات عالمية صدرت بصوت خافت ثم حالفها الحظ واسمعت العالم كله صوت دويها، وهناك كتاب عالميون الآن لم يعرفوا إلا بعد حصولهم على جائزة مرموقة لفتت انتباه العالم إلى روعة أدبهم وجمال كتاباتهم.



عدد الزيارات : 1056 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق