تطلب شابة على إحدى صفحات فيسبوك المغلقة نصيحة حول فكرة الزواج من رجل غني يكبرها بثلاثين عاماً، وتقول بأنه "الملجأ الوحيد" الذي أمامها بعد أن فقدت كل أفراد عائلتها في الحرب الدائرة في سوريا.
وانهالت تعليقات النساء على هذه المداخلة بين مؤيدة للفكرة متعللة بالحاجة وأخرى رافضة لها رفضا مطلقا، إلى جانب تلك التي تطرح حلولاً أخرى ممكنة.
على موقع فيسبوك وفي تلك الصفحات السريّة النسائية السورية التي أنشأتها نساء داخل البلد، تلتمس فتيات نصائح حول التعامل مع حالات تحرّش تعرضن لها، وكيفية التصرّف لحل مشكلات تتعلق بالأزواج والأولاد.
ويعد مضمون تلك الصفحات متنوعا جدا؛ فبينما تركّز منشورات معينة على مشاكل اجتماعية وتقديم حلول لها، تتناول أخرى قصصا تتعلق بآخر صيحات الموضة والمكياج، في حين تحولت صفحات أخرى لمصدر رزق لبعض الفتيات اللواتي بدأن العمل بمجال التسويق الالكتروني.
دعم افتراضي
في عام 2011 تحول فيسبوك في سوريا إلى ساحة حرب وفضاء جدالات لا تنتهي، لكن خلال الأعوام الأخيرة تأسست عشرات المجموعات - سواء داخل سوريا أو خارجها - وتحوّلت إلى مساحة تشبه جلسات نسائية خاصة تمتد على مدار الساعة. لهذه المجموعات أسماء مختلفة، مثل: صبايا وفالوجيات وحقّانيات ومع بعض والفاشينيستا الصغيرة ومكياجي وغيرها كثير.
وتقول هايدي حافي (30 عاماً)، وهي مؤسسة مجموعة "حقانيات (كلمة بالعامية السورية مشتقة من كلمة الحق)" والتي تضم الآن أكثر من 200 ألف عضوة بعد أقل من عام على أطلاقها، إن أحد الأسباب التي دفعتها لتأسيس المجموعة شعورها بحاجة النساء السوريات للدعم، وأهمية وجود هذا المكان الخاص بهنّ والذي تستطعن فيه الحديث بكل حرية عن كل ما يخصهنّ.
وتتفق عليا خيربك سليمان، مؤسسة مجموعة "صبايا" التي انطلقت منذ حوالي أربعة أعوام داخل سوريا ويزيد عدد أعضائها عن 600 ألف، مع هذا الرأي، إذ تقول: "المرأةُ في مجتمعاتنا العربية مظلومة منذ سنوات طويلة، لكن الحرب التي عشناها في سوريا زادت من قهر النساء وأظهرت قصصهن للعلن في الوقت ذاته".
وتتراوح تلك القصص بين التحرش والتعنيف الذي قد يصل حد الاغتصاب، وبين الحرمان من أبسط الحقوق، والاضطرار للقبول بعروض زواج غير متكافئة.
كما تساعد بعض تلك المجموعات أيضاً في توفير فرص عمل متنوعة، فمن جهة يمكن لمن تمتلك مهارة معينة أن تعرضها وتبين رغبتها في إيجاد عمل ملائم، ومن جهة أخرى كثيراً ما تُنشر إعلانات توظيف مع تشجيع الفتيات على التقدم لها.
"نجد قصصاً لنساء وفتيات وجدن أنفسهن فجأة المسؤولات الوحيدات عن إعالة أطفالهن أو ذويهن، وطالبات اضطررن للعمل إلى جانب الدراسة، وجدّات عاملات لإعالة أحفادهن الأيتام، فالحرب طالت بنيرانها جميع السوريين وعلمتنا في الوقت ذاته الاعتماد على أنفسنا"، تشير سليمان (34 سنة) في حديثها.
وتضيف: "هنا يأتي دورنا في المساعدة، حيث نتلقى طلبات ورسائل من الأعضاء، وننشرها بدورنا على المجموعة، وننتظر الردود والحلول التي تحققت بالفعل في أحيان كثيرة".
توضح حافي - وهي سيدة أعمال تعيش بين مدينتي دمشق واللاذقية - أمثلة عن تلك الطلبات، كشراء أدوية مكلفة أو المساعدة بأجور عمليات جراحية.
وتقول إن الدعم يأتي إما عن طريق العضوات الراغبات بالمساعدة، أو عن طريق أرباح الإعلانات مدفوعة الأجر.
"مهنة سهلة"
إضافة لذلك، ترى هايدي حافي بأن واحدة من أهم ميزات مجموعات فيسبوك النسائية تحوّلها لمصدر رزق؛ إذ تتمكن الشابات من عرض منتجات يبعنها مع مواصفاتها وصورها وأسعارها، ومن ثم توصيلها للراغبات بشرائها بشكل شخصي أو عن طريق شركات السفريات والشحن، إذ لا تتوفر في سوريا بعد إمكانية الدفع عبر الإنترنت.
روريتا محمد واحدة من الشابات اللاتي بدأن بيع منتجات العناية بالبشرة والشعر والجسم على شبكة الإنترنت منذ حوالي 8 أشهر، وذلك للحصول على دخل شهري يعينها على تأمين متطلبات دراستها الجامعية في كلية الحقوق بجامعة اللاذقية.
"خلال الأعوام الأخيرة توجهت الكثير من الفتيات داخل سوريا، خاصة الجامعيات، للتسويق والبيع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فهي مهنة سهلة إلى حد ما ولا تتطلب الالتزام بساعات دوام محددة، كما تساعد على توفير دخل معقول"، تقول الفتاة التي تبلغ من العمر 20 عاماً.
وتضيف بأنها اختارت إحدى الصفحات لأن "طريقة النشر منظّمة، إذ يُسمح للفتيات بعرض المنتجات يومي الاثنين والجمعة فقط، ويُطلب منهنّ تحديد السعر عند النشر مما يوحي بالثقة وعدم التلاعب، وأيضاً الالتزام بتقديم حسم معين للأعضاء".
"ممنوع دخول الرجال"
وبالطبع، يُمنع دخول الرجال إلى هذا العالم المخصص للنساء، حفاظاً على خصوصية الأعضاء وأيضاً لضمان حرية مشاركة القصص والحكايات التي يصعب الحديث عنها إلا أمام النساء.
تذكر إحدى المجموعات ضمن فقرة الوصف الخاصة بها "ممنوع إضافة الشباب وتسريب المنشورات للخارج"، وتشير حافي إلى حدوث حالات اختراق من رجال ينشئون حسابات وهمية بأسماء فتيات، ليتم حظرهم حال اكتشافهم.
من الممنوعات أيضاً كما تقول عليا خيربك سليمان الأحاديث الدينية والسياسية وكل ما يمكن أن يثير "النعرات والحساسيات".
"بذلك نضمن أن تكون مجموعاتنا عابرة للانقسامات التي عصفت بالمجتمع السوري خلال سنوات الحرب. هدفنا المساعدة والدعم والنصيحة بعيداً عن أي خلافات، وكسوريات فقط"، كما توضح.
لماذا نشارك قصصنا على فيسبوك؟
ترى عليا خبربك سليمان -وهي سيدة أعمال وفاعلة في مجال العمل التنموي والإنساني بدمشق- بأن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في التعرف على المشاكل الاجتماعية التي تعاني منها السوريات، وخاصة أولئك اللواتي اخترن الصمت بسبب الخجل من مشاركة حكاياتهن على الملأ. "نتبع آلية النشر دون اسم في حال الرغبة بذلك، مما يساعد على التكلم بحرية أكبر".
هذا ما تؤكده راميا المصري (اسم مستعار)، إذ تقول بأن المجموعات النسائية عبر فيسبوك باتت فضاءً بالغ الأهمية بالنسبة لها، حيث تشارك فيه قصصاً ومشاكل شخصية، وتنتظر حلولاً ترى بأنها لا تستطيع الحصول عليها من محيطها القريب، كعائلتها وأصدقائها، والمحكوم غالباً بالعادات والتقاليد والقيود المجتمعية.
"يوماً بعد آخر شعرت بأن الحديث على وسائل التواصل الاجتماعي أكثر سهولة وحتى أماناً. يمكنني قول ما أريد دون الخوف من ردود الأفعال، خاصة وأنني لا أستخدم اسمي الحقيقي، وأستمع لمئات النصائح التي يعجبني بعضها وأعمل به فعلاً، وأستغني عن بعضها الآخر"، تضيف الفتاة الثلاثينية التي تعمل في أحد محال الألبسة بمدينة حمص.
وتختلف دوافع المشاركة لدى فتيات أخريات، فبالنسبة لجود حمادة، وهي طالبة جامعية وناشطة مجتمعية، ورغم انضمامها لعدد من المجموعات النسائية، إلا أنها لم تفكّر بمشاركة قصة خاصة بها هناك، لكنها تخوض بعض النقاشات التي تدور في هذا الفضاء الافتراضي، خاصة ضمن المجموعات التي يغلب لون واحد على أعضائها.
"حين تتشابه الآراء حول موضوع معين أشعر بأن فيه إجحافاً ما بحق النساء كالنظرة للمرأة المطلّقة أو الفتاة غير المتزوجة، أرى ضرورة مساهمتي بالنقاش. من المهم ألا تتحول هذه الفضاءات لمكان تسود فيه الأفكار الرجعية حول المرأة ودورها في المجتمع وإطلاق الأحكام عليها وحتى التشجيع على العنف اللفظي ضدها، وما أسهل أن يحصل ذلك للأسف رغم أنها مجموعات نسائية بالمطلق"، تضيف الفتاة العشرينية في حديثها.