> فن وثقافة

هل ينبغي أن نكره مفتاح "أعجبني" على فيسبوك؟


هل ينبغي أن نكره مفتاح

ترسم لِيا بيرلمان قصصا مصورة "كوميكس" تركز على أفكار مثل "تنمية الذكاء العاطفي" و"حب الذات". وعندما بدأت بنشر نتاجها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، استقبلها أصدقاؤها بحرارة.

لكن موقع فيسبوك أدخل تغييرات على اللوغارتم "الخوارزمية" المسؤول عما يظهر لنا في مقدمة صفحات موقع التواصل الاجتماعي.

وعندما تحتل مواقع التواصل الاجتماعي مساحة كبيرة من حياتنا، فإن مثل هذا التغيير في اللوغاريتم قد يكون بمثابة صدمة لنا.

وعقب هذه التغييرات، بدأت رسومات لِيا تظهر لعدد أقل من المستخدمين على فيسبوك وتراجع عدد مرات الإعجاب التي تحصدها. 

تقول بيرلمان: "شعرت في ذلك الوقت وكأنني لا أحصل على الأكسجين الكافي. وكأني أقول انتظر لدقيقة فقد وضعت قلبي وروحي في تلك الرسومات، لكني أحصل الآن على 20 إعجاب فقط".

من السهل على المرء أن يتعاطف. لكن تلقي الاستحسان الاجتماعي يمكن أن يستحيل إلى إدمان، وماذا تكون علامة "أعجبني" في فيسبوك إذن سوى استحسانا اجتماعيا في أنقى صوره؟". 

ويشبه باحثون هواتفنا الذكية بماكينات المقامرة، إذ يرون أنها تحفز نفس مسارات المكافأة في المخ.

ورجحت ناتاشا داو شول، الأستاذة الجامعية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أن ماكينات المقامرة مصممة بطريقة تدفع مستخدميها إلى إدمانها، وأن الأماكن التي تشغلها تستهدف أن "يقضي المستخدمون وقتا طويلا في اللعب عليها". 

وأشارت إلى أنهم يريدون الناس أن يستمروا أمام الشاشات لوقت أطول اعتمادا على إعجابهم بالأضواء المبهرة وبالتالي زيادة دفعات الدوبامين التي يفرزها الجسم أثناء اللعب لشدة الحماس.

ويبدو أن شركات التواصل الاجتماعي التقطت هذه المعلومة، فأصبحنا لا ندري ماذا سنشاهد عندما نلتقط الهاتف الذكي ونفتح الشاشة، هل نجد المزيد من علامات الإعجاب، والمزيد من الإشعارات، أم رسالة بريد إلكتروني تقليدية.

وتشعر ليا بالاحراج من القول إنها اشترت إعلانات من فيسبوك، بعد أن واجهت تراجعا في عدد علامات الإعجاب برسوماتها، حتى "تستعيد هذا الاهتمام مرة ثانية".

مشاعر فيسبوكمصدر الصورةFACEBOOK
Image captionمر مفتاح "أعجبني" على فيسبوك بمراحل تطور عدة حتى وصل إلى الشكل الحالي

وينطوي عدم ارتياح بيرلمان هذا على نوع من المفارقة، فهي قبل أن تكون رسامة كوميدية، عملت مطورة برامج لدى فيسبوك. وفي يوليو/تموز 2007 اخترع فريق عملها مفتاح أو علامة "أعجبني" على فيسبوك.

وبات مفهوم علامة الإعجاب واسع الانتشار على الإنترنت بعد أن انتقل من فيسبوك إلى يوتيوب وتويتر.

ومن الواضح أن هذا الاختراع حقق فوائد عدة لمواقع التواصل الاجتماعي، فضغطة واحدة على العلامة تمثل الطريقة الأبسط على الإطلاق أمام المستخدمين للمشاركة، وهي أسهل بكثير من كتابة تعليق.

لكن هذه الفكرة استغرقت بعض الوقت حتى طُورت ووصلت إلى شكلها الحالي. وتذكر ليا بيرلمان أن جزءا من ذلك هو الوقت الذي استغرقه مؤسس موقع فيسبوك مارك زوكربرغ لكي يقتنع بالفكرة.

وكان النقاش يجري: هل ينبغي أن يُطلق على هذا الاختراع مفتاح "رائع"؟ وهل هذا الرمز مناسب؟

وفي الوقت الذي يعني رفع أصبع الإبهام إلى أعلى في معظم الثقافات الموافقة على شيء ما، قد تكون له مدلولات سلبية في ثقافات أخرى.

وأخيرا أطلق فيسبوك مفتاح "أعجبني" في فبراير/ شباط 2009. وتستذكر بيرلمان أن إطلاق هذه الخاصية الجديده رفع ارقام المشاركة على فيسبوك بسرعة كبيرة، فتحول نحو 50 تعليقا إلى 150 علامة إعجاب فور بدء ظهور هذا المفتاح".

وأضافت: "وبدأ الناس في نشر المزيد من تحديثات الكتابات (البوستات) التي ينشرونها، وبات هناك المزيد من المحتوى، ونجح كل ذلك".

في غضون ذلك، كان مايكل كوزنسكي يدرس لنيل درجة الدكتوراه في القياس النفسي - دراسة السمات النفسية - من جامعة كمبريدج، مركزا على دراسة التمثيلات السايكولوجية التي يقدمها الأشخاص لأنفسهم في وسائل التواصل الاجتماعي. 

مارك زوكربرغمصدر الصورةGETTY IMAGES
Image captionشدد مارك زوكربرغ، مؤسس فيسبوك، على أن الاستخدام المجاني للموقع ليس له علاقة بحماية بيانات المستخدمين

وصمم ألكسندر كوغان، زميل كوزنسكي، تطبيقا إلكترونيا يعمل عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك لاختبار ما يعرف بـ "السمات الخمس الكبرى للشخصية" وهي الانفتاحية والاجتهاد أو الضمير والانبساطية والقبولية والعصابية.

وكان استخدام هذا الاختبار يسمح للباحثين بالإطلاع على معلومات حسابات المستخدمين على فيسبوك مثل السن، والنوع الاجتماعي (الجندر)، والتوجه الجنسي، وغيرها من التفاصيل الشخصية. وبالفعل انتشر استخدام هذا التطبيق بين رواد موقع التواصل الاجتماعي.

واتسعت قاعدة البيانات الخاصة بالتطبيق لتشمل الملايين من مستخدمي فيسبوك، وأصبحت لدى الباحثين إمكانية التعرف على ما "أعجب" هؤلاء الملايين علاوة على المعلومات العامة لأصدقائهم. 

وأدرك كوزنسكي، الذي أصبح الآن أستاذا في السلوك التنظيمي (أي المتعلق بالمنظمات والمؤسسات) في جامعة ستانفورد، في ذلك الوقت أن هذه المعلومات تنطوي على كنز لا يقدر بثمن من الأفكار الموحية.

فعلى سبيل المثال، كشفت هذه المعلومات عن أن عدد المثليين الذين يحبون أدوات التجميل من ماركة "ماك" أكثر بقليل من عدد الرجال من ذوي التوجهات الجنسية الطبيعية الذين يحبون الماركة نفسها. واستخلص كوزنسكي هذه المعلومة من بعض البيانات المتوافرة لديه وذلك لأنه ما كان ليتمكن من تمييز أن شخص ما من المستخدمين لفيسبوك لديه توجهات جنسية مثلية من مجرد ضغطة واحدة على مفتاح "أعجبني".

لكن كلما ارتفع عدد الضغطات على مفتاح الإعجاب، كلما تمكن الباحث من التوصل إلى تخمينات أدق للتوجهات الجنسة، والانتماءات الدينية، والميول السياسية، وغيرها من التخمينات.

ويخلص كوزنسكي إلى أنك إذا أبديت إعجابا بسبعين شيئا، فأنه سيعرفك أفضل من أصدقائك، أما بعد 300 علامة إعجاب فإنه سيعرفك بطريقة أفضل من شريك حياتك.

ومنذ ذلك الحين،وضع فيسبوك قيودا حدد فيها نوع البيانات التي يمكن التشارك بها مع مطوري التطبيقات الإلكترونية.

لكن ثمة مؤسسة واحدة فقط ما زالت قادرة على الإطلاع على كل ما يعجبك وما هو أكثر من ذلك، هي مؤسسة فيسبوك نفسها.

فهي المؤسسة التي بإمكانها تحمل دفع رواتب كبيرة لأبرع مطوري التعليم الآلي بهدف استخلاص النتائج.

مايكل كوزنسكيمصدر الصورةGETTY IMAGES
Image captionرجح مايكل كوزنسكي أنه يمكن التوصل إلى افتراضات دقيقة عن المستخدمين من خلال بيانات فيسبوك

فما الذي يمكن لشركة فيسبوك أن تفعله بنافذتها المطلة على روحك إذن؟ يمكنها القيام بشيئين. 

الأول: هو أن "تُفصّل" لك ضخ الأخبار بما يتناسب مع قضائك وقتا أطول في حسابك على فيسبوك، فيمكنها، على سبيل المثال، أن تضع لك مقاطع الفيديو الخاصة بقطتك، والأقوال المأثورة الملهمة، والأشياء التي تجعلك تستشيط غضبا من دونالد ترامب، والتي تولد لديك نفس الشعور تجاه معارضي ترامب.

لكن ذلك لا يبدو مثاليا على الإطلاق، فهي تجعل من الصعب جدا على المستخدمين ذوي الآراء المختلفة خوض محادثة عقلانية.

أما الشيء الثاني الذي تستطيع فيسبوك فعله من خلال استغلال معرفتها الجيدة بالمستخدمين فهو مساعدة المعلنين على استهداف المستخدمين. فكلما كان أداء الإعلان أفضل، كلما تمكنت من جني المزيد من الأموال.

لكن الإعلانات الموجهة (لجمهور محدد) ليست أمرا جديدا.

فحتى قبل ظهور الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، كنت إذ اعتزمت افتتاح متجر للدراجات الهوائية في سبرنغفيلد، ينبغي عليك اختار نشر إعلان عن هذا المتجر في صحيفة سبرنغفيلد غازيت أو سايكلنغ ويكلي لا في صحيفة نيويورك تايمز أو مجلة غود هاوسكيبنغ.

وبالطبع لن يكون هذا الاختيار فعالا جدا لأنه من الممكن أن نكتشف أن أغلب قراء سبرنغفيلد غازيت لا يركبون الدراجات أو أن أغلب المشتركين في مجلة سايكلينغ ويكلي لا يقيمون بالقرب من سبرنغفيلد، لكن هذا أفضل ما في وسع المعلن أن يقوم به.

ويمكننا القول أن فيسبوك فقط يسهل عملية استهداف المستخدمين بالإعلانات.

فمن قد يعترض إذا طلب المعلن من فيسبوك أن يظهر الإعلان لمحبي قيادة الدراجات المقيمين في سبرنغفيلد فقط؟ وهو مثال حي على المبررات التي تستند إليها شركة فيسبوك في الترويج لمفهوم "الإعلانات الموجهة".

وهناك أشياء أخرى يمكن لفيسبوك أن تقوم بها من خلال استغلال ما تعرفه عن المستخدمين، لكنها أشياء قد لا نحبها.

لنضرب مثلا بنشر إعلان لبيع منزل من دون أن يظهر للأمريكيين من أصول أفريقية. وقد تساءلت كل من جوليا أنغوين ومادلين فارنر، اللتين تعملان في موقع بروببليكا الاستقصائي،عن أمكانية نجاح تجربة مثل هذا الاعلان،وقد نجحت بالفعل.

لكن شركة فيسبوك ابدت ندهاشها لسماع هذه النتيجة، وأكدت أن هذا ما كان ينبغي أن يحدث، مبررة ما حدث بأنه "خطأ تقني".

وماذا عن مساعدة المعلنين على فيسبوك في الوصول بإعلاناتهم إلى المستخدمين الذين عبروا عن اهتمامهم بعبارة "كاره اليهود"؟ وهو ما أظهر نفس فريق العمل في بروبوبليكا أنه ممكن. وكررت شركة فيسبوك دهشته متعهدة بألا يحدث ذلك مرة ثانية.

ومن الطبيعي أن يثير ذلك القلق لدينا لأن ليس كل المعلنين يستهدفون الترويج لأشياء مفيدة مثل متجر الدراجات الهوائية، فهناك من يستخدم الإعلانات لنشر رسائل سياسية قد يصعب على المستخدمين وضعها في سياقها الصحيح أو التحقق منها.

شيريل ساندبرغمصدر الصورةGETTY IMAGES
Image captionاعتذرت شيريل ساندبرغ، أحد مدراء فيسبوك، عن أخطاء ارتكبتها الشركة في حق المستخدمين قبل 2016

وترددت مزاعم بأن شركة كمبريدج أناليتيكا تدخلت في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2016 لصالح دونالد ترامب، باستغلال قوة "مفتاح أعجبني" في استهداف الناخبين، وهو الأمر الذي أثار الرعب في قلب كوزنسكي، أول باحث رجح إمكانية ذلك.

وماذا عن استغلال المُسوقّين معدومي الضمير لمشاعر المراهقين العاطفية والذين يمكن استهدافهم بسهولة في الترويج لمنتجاتهم وبشكل خاص عندما تتملكهم حالات إحباط ؟

في 2017، ظهرت في أستراليا وثيقة مسربة من فيسبوك توضح إمكانية التأثير على المراهقين بهذه الطريقة.

لكن شركة فيسبوك أبدت دهشتها كالمعتاد مبررة ذلك بأن مشكلة ما ظهرت في آليات "الرقابة". كما شددت الشركة على أنها "لا توفر أية وسائل لاستهداف الناس بالاستناد إلى حالاتهم العاطفية".

دعونا نأمل أن تكون الشركة صادقة في ذلك، إذ اعترفت في وقت سابق بأنها تستغل الأوضاع العاطفية للمستخدمين لكي تختار هل تعرض عليهم أخباراً سارة أو أخباراً محزنة.

و في منشور في ديسمبر/كانون الأول تداوله المستخدمون على نطاق واسع، اعتذرت شيريل ساندبرغ، أحد المدراء في فيسبوك، عن أخطاء ارتكبتها الشركة، قائلة: "قبل عام 2016، لم نكن نركز على دفع الضرر كما نفعل الآن، كما لم نبذل الجهد الكافي لتوقع الطرق التي يمكن من خلالها إساءة استخدام منصتنا". 

واعترفت أيضا بأن الكثيرين فقدوا الثقة في أن "تحترم فيسبوك المعلومات الشخصية الخاصة بالمستخدمين وتحميها أو أن تعمل الشركة بالطريقة الصحيحة"، مشددة على أن شركة التواصل الاجتماعي العملاقة دائما ما تستمع للجميع وتتعلم من أخطائها.

لكن الواقع يشير إلى أن احتمال تحكم فيسبوك في العقول أبعد من أن يكون شيئا متقنا. 

أعجبني
Image captionانتقل مفهوم مفتاح "أعجبني" من فيسبوك إلى يوتيوب وتويتر لينتشر عبر الإنترنت

وتساءل بعض الخبراء الذين نظروا في أزمة كمبريدج إناليتيكا إلى أي مدى كانت هذه الشركة فعالة حقا. ففي كل عمليات الاستهداف أفاد محللون أن مشاهدة إعلانات فيسبوك عبر الضغط عليها لفتحها مازالت بمعدل أقل من واحد في المئة. 

وينبغي نقلق حيال كفاءة فيسبوك غير المشكوك فيها في وضع المزيد من الإعلانات التي تستحوذ على قدر كبير من اهتمامنا وتجعلنا ملتصقين بالشاشات.

وكيف سندير التزاماتنا في عالم التواصل الاجتماعي الجديد الجريء؟

ينبغي أن ننمي لدينا نوعا من الذكاء العاطفي بشأن الأثر الذي يحدثه فينا اللوغارتم. وإذا كان نيل الاستحسان الاجتماعي (اعجاب الآخرين) حيويا بالنسبة لنا ولا يقل أهمية من الأكسجين، فربما يكون المزيد من "حب الذات" هو الإجابة الأكثر دقة.

فإذا رأيت أي رسومات كوميكس عن هذا الموضوع سأكون متأكدا من أنني سأضغط على "علامة الإعجاب".


عدد الزيارات : 930 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق