> فن وثقافة

التشكيل العربي.. رحلة التجريب والسؤال


التشكيل العربي.. رحلة التجريب والسؤال

مهاب نصر - تحت عنوان «مجموعة فنية مختارة» استأنف غاليري بوشهري نشاطه الفني بمعرض استعادي، يقدم بانوراما تشكيلية تجمع أعمال النحت والتصوير لفنانين من الكويت والعراق وسوريا ومصر وفلسطين والسودان وإيران ونيبال وليتوانيا. العنوان البسيط للمعرض كأنه دعوة تستقبلك في تواضع، ولا تكشف ما يمكن أن تستنتجه من الرحلة بين هذه اللوحات والمنحوتات التي تمثل مراحل مختلفة، بحيث تبدو كأنك كنت في رحلة مع التجريب العربي على وجه الخصوص، تجريب الفنان التشكيلي في ملامسته لواقع.. ما أعمق تغيره وانقلابه! من التلاعب الحرفي بالخط العربي إلى الرصد شبه الواقعي لحياة الناس في الشوارع والأسواق، ومن الاستلهام الفريد للأشكال النحتية في المعابد القديمة وحوائطها في صياغة لوحة عصرية، ومن تكثيف الرمز إلى بساطة التكوين، لا نواجه فقط مجرد رغبات أو شطحات جمالية، بل التساؤل الذي يطرحه التشكيلي على نفسه: من أي جهة يمكنني أن أرى الواقع، وماذا سأقول عنه؟ في لوحة للفنان الكويتي جعفر إصلاح، نظرة شاعرية إلى طبيعة تم تجريدها من كل عوامل التشويش، ألوان محدودة وفراغات واضحة في ما يشبه الحلم، وبخيال محسوب يستعيد رؤية الطفل في تصوره البريء عن العالم. تختلف هذه الرؤية كثيرا عن الفنان السوري سبهان آدم الموصوف بـ«ما بعد الحداثي» ولوحته التي تواجه الداخل إلى المعرض: هذا الوجه الشائه المركب من وجوه كثيرة، وجه كأنه يتخلق الآن، غير مكتمل الملامح، عيون كثيرة تطل منه وكأنه لا يكفي المرء عينان ليتعرف إلى ذاته. الإنسان ومكانه تجربة الفنان العراقي صدام الجميلي ربما تتقاطع مع رؤية لا تقل تشاؤمية عن نظيره السوري، لكنها ترصد الإنسان في موقعه ومكانه. الحركة، لا الجسد نفسه، هو أداته التعبيرية. يقف الجميلي على حافة الواقع من دون أن يغادره: الغرف والشوارع والمشاهد التي تجمع غالبا أكثر من شخص في ما يشبه الحوار المنقطع، والتفاصيل الموحية، كلها عناصر قصصية مبتورة في لوحاته لواقع نصف متكلم ونصف أخرس. أي مسافة شاسعة تفصل بين رؤية الجميلي للواقع ورؤية الفنان السوداني محمد عبدالوهاب؟ أعمال شبه تسجيلية، بعيدة عن التدخل في المشهد الحياتي، تترك للناس، وجوههم وحركتهم وسعيهم اليومي وجلسات الاسترخاء في المقهى، أن تطل على المشاهد من دون تكلف أو عناء. هنا احتفاء أكثر بالحياة ورؤية متفائلة، مبتهجة بالألوان، وبزحام الأسواق، بالضوء وبالظلال معا. مكْر الصورة لا يتمكن المشاهد من قمع ابتسامته وهو يطالع أعمال الفنان الزميل عبدالوهاب العوضي. كانت هناك مسافة دائما تفصل بين لوحات العوضي التشكيلية التي تميل إلى التجريد، بمجموعة ألوانها المميزة، ولوحاته الكاريكاتيرية. في اللوحتين المعروضتين هنا يمزج العوضي بنعومة وخفة ظل موضوعَيه الأثيرين: المرأة واللون. يحتفظ العوضي بملامح الخط الواضح للجسد؛ لوحة مركزة ومركبة في الوقت نفسه. فالرسم يتم على قصاصة كرتونية ملصة على خلفية اللوحة السوداء، ويستكمل الشكل بإضافة تفاصيل غاية في الرمزية والبساطة. روح الفكاهة والتعاطف لا تخفى في لوحتيه الرشيقتين. الرشاقة نفسها ستجدها في لوحة الفنان الفلسطيني عبدالهادي شلا، موضوعها المرأة أيضا، لكنها تذكرنا كثيرا بأعمال الفنان المصري بيكار. الملمح التراثي واضح في لوحة الفنان كساب من مصر، وهي خليط من أثر التكوين الفرعوني والريفي الشعبي والإسلامي معا، بينما يلتقط الفنان عبدالجليل الشريفي المشهد العصري الواقعي الحي، الذي يجمع شخوصا في حالات من التفاعل المركب، مع إضافة رموز حسية إلى اللوحة (الفاكهة مثلا). تعدد مراكز التقاط اللوحة في ما يشبه الحكاية لموقف. من المألوف أن يسأل مرتادو معارض التشكيل «ماذا تقول هذه اللوحات؟»، وقد يكون السؤال الصحيح أن نترك أنفسنا لنرى الواقع بعين الفنان وسؤاله (ماذا يقول لنا الواقع؟ وكيف نراه؟)، وهو سؤال قد يلخص رحلة التجريب التشكيلي. 



عدد الزيارات : 1335 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق