> الإفتتاحية

تعديل الدوائر الانتخابية مطلب أم ضرورة – الجزء 3


تعديل الدوائر الانتخابية مطلب أم ضرورة – الجزء 3

حصاد الدوائر الخمس:
أن ما يصلح من نظام انتخابي لبلد قد لا يصلح لبلد آخر، وأن تقليص عدد الدوائر الانتخابية لا يصلح إلا في الدول الديمقراطية التي تأخذ بنظام الأحزاب ونظام القوائم وليس نظام الانتخاب الفردي، والبرامج التي تطرحها هذه الأحزاب والتي يفترض أنها تختلف من حزب إلى آخر، ولقد وقعت تجربة الدوائر الخمس والاربع أصوات في مأزق كبير، عندما حصدت تلك التجربة تكتلاً برلمانياً كبيراً يقصي الأقلية عن المشاركة في العمل البرلماني، بما يتخذه هذا التكتل من قرارات في اجتماعات تعقد خارج قاعة "عبدالله السالم"، وتفرض على المشاركين فيها التصويت في الاتجاه الذي انعقدت عليه إرادة الأغلبية في هذه الاجتماعات، وقبل الاستماع إلى رأي الأقلية التي أقصيت عن هذه الاجتماعات، وإن جاء الإصلاح من خلال الصوت الواحد الا أنه لم يكن الإصلاح المطلوب.
أن تقليص عدد الدوائر الانتخابية في غياب نظام الأحزاب، لم يمكن الناخبين من التعرف على جميع المرشحين والمفاضلة بينهم، كما يحرم المرشحين من المزايا التي تتيحها لهم الدوائر الصغيرة من إظهار مزاياهم ومزايا برامجهم والتنافس الحقيقي للحصول على أصوات الناخبين، كما أدت الدائرة الانتخابية الكبيرة الي فقد الناخبين فيها شعورهم بأن تصويتهم يمكن أن يكون مجدياً لمن يرون أنه أصلح من غيره في تمثيلهم ولذلك عزف الكثيرون من الأقليات عن المشاركة في الانتخابات.
الإرادة الحقيقية للمشرع الدستوري:
وقد كشفت مناقشات المجلس التأسيسي ولجنة الدستور عن الإرادة الحقيقية للمشرع الدستوري، عندما وجه أحد الأعضاء سؤالاً إلى الخبير الدستوري حول الأساس الذي تقسم عليه الدوائر الانتخابية؟ فأجاب بأن "قوانين الانتخاب في تحديدها الدوائر الانتخابية، إما أن تقوم على أساس عدد السكان، وإما أن تكون على أساس جغرافي، فكلا الأمرين وارد" (مضبطة الجلسة 21 ص6).
وفي لجنة الدستور يقول الخبير الدستوري "إنه كلما كان نطاق الدائرة أقل كلما قربنا التمثيل من الديمقراطية الصحيحة" (مضبطة الجلسة 11 ص2)
ولهذا حرص المجلس التأسيسي على الأخذ بنظام الدوائر العشر الذي انتُخب المجلس التأسيسي على أساسه، تم تعديلها بعد ذلك إلى 25 دائرة في تمام عام 1981 نتيجة زيادة عدد السكان، وذلك لرغبة المشرع في تقريب المرشحين من الناخبين.

معالجة تثير شبهة: 
ولعل قصر حق الناخب في التصويت على أربعة مرشحين، كان القصد منه هو معالجة بعض الآثار السلبية لتقليص عدد الدوائر إلى خمس، حيث لا يتمكن الناخب من التعرف على جميع المرشحين في الدائرة، ولكي تتاح للفئات والتوجهات والأطياف المختلفة كافة تمثيل الأمة في البرلمان، إلا أنه ألقى ظلالاً من الشك والريبة حول شبهات عدم دستورية حرمان الناخب من اختيار النواب العشرة في الدائرة، وقصر حقه على انتخاب أربعة فقط، وهو ما ينطوي على مخالفة ما تنص عليه المادة (108) من الدستور من "أن عضو مجلس الأمة يمثل الأمة بأسرها"، لأن مناط تمثيل الأمة بأسرها أن يمارس كل ناخب حق الانتخاب، بانتخاب جميع أعضاء المجلس، وليس عدداً محدوداً منهم.
زيادة عيوب التمثيل النسبي:
من المقرر أن فوز النائب بمقعد البرلمان لحصوله على أغلبية نسبية متقدمة هو أبغض الحلال في النظام الديمقراطي، فرضتها الضرورات العلمية بالرغم من أنها ليست أقرب إلى التعبير عن إرادة الناخبين من الأغلبية المطلقة، التي يصعب تحقيقها على مستوى الدوائر الصغيرة المتعددة، ولكنها تعتبر ضرباً من الاستحالة في الدائرة الكبيرة.
ذلك أن فوز المرشح بالأغلبية المطلقة لأصوات الناخبين الصحيحة في الدائرة هو غاية تسعى إليها الديمقراطية، حتى يكون النائب أقرب إلى التعبير عن إرادة الناخبين وإرادة الأمة مصدر السلطات جميعاً، ولهذا حاول قانون الانتخاب الفرنسي سنة 1966 التقليل من عيوب التمثيل النسبي باشتراط حصول المرشح على أصوات ربع عدد الناخبين المقيدين في سجل الناخبين على الأقل.
وقبل التطرق الى الجوانب التفصيلية الاخرى، تجدر الاشارة الى عدد من الاعتبارات التي يمكن ايجازها فيما يلي: 
- ان مكتسباتنا الوطنية واجواء الحرية والديموقراطية التي نعيشها في الكويت هي مبعث فخر واعتزاز لكل الكويتيين، 
- ان اصلاح النظام الانتخابي وتطويره عملية متكاملة، ولا يمكن ان يتحقق ذلك بمجرد تعديل الدوائر او عبر اجراءات شكلية هنا او هناك، بل من خلال إطار شامل يراعي مقتضيات المصلحة الوطنية ويدعم مقوماتها.
- وفي الوقت ذاته لا بد من الاشارة الى ان بعض الممارسات البرلمانية غير السليمة، وما افرزته العملية الانتخابية في ظل النظام الانتخابي الحالي عبر الفصول التشريعية المتعاقبة من مظاهر سلبية، ادى اليه من فرز وتقسيم وتفتيت للمجتمع الى طوائف وفئات على نحو بات يهدد الوحدة الوطنية ويضعف تماسك المجتمع الكويتي وتلاحمه المعهود الامر الذي يقتضي وقفة جادة عازمة لإصلاح الوضع.
ونظرا لدقة واهمية المعايير والمبادئ المعتمدة في تقييم البدائل المقترحة، فقد كان لابد من ايجاد الادوات والمنهجية العلمية الكفيلة بتطبيق مقياس عملي دقيق للمفاضلة بين البدائل المقترحة وصولا الى الصيغة الامثل التي تحقق المصلحة العامة، توظيف التقنيات والادوات الفنية والرياضية في تحليل وصياغة البدائل والاقتراحات والوصول الى افضلها لمعالجة اوجه القصور في العملية الانتخابية، ومنها نظام التحليل الهرمي ونظم المعلومات الجغرافية ومنهجية التطوير غير الخطية والاسلوب الافتراضي والشبكات الرياضية وغير ذلك من النماذج والأنظمة التي ساعدت في التوصل الى النتائج
الهوية الوطنية والنسيج الاجتماعي:
إن إعادة الدوائر الى سابق عهدها سوف يعالج سلبيات النظام الانتخابي الحالي وتعتبر إحدى أدوات وآليات مشروع وطني مستقبلي جاد، يكون اساسا ومنطلقا - ضمن اطار منظور شامل - يستهدف وقف تداعيات ومظاهر التصدع في البنية الوطنية سعيا لتفعيل الاندماج الاجتماعي وتقوية النسيج الوطني، بما يكفل انصهار الجميع في بوتقة الهوية الوطنية الذي يعيد ويجسد تماسك الكويتيين وترابطهم وفق النهج الذي عرفته الكويت منذ نشأتها، ولاسيما في ظل القادم من الظروف والتطورات الاقليمية والدولية التي لا يمكن اغفال اسقاطاتها وانعكاساتها الخطيرة على واقعنا المحلي وما تمثله من تهديد لأمن الوطن واستقراره. 
تابع



عدد الزيارات : 2568 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق