> فن وثقافة

«قلب نقي».. كيف تفرِّق العولمة أرواحنا وتجمعها.. أيضاً؟


«قلب نقي».. كيف تفرِّق العولمة أرواحنا وتجمعها.. أيضاً؟

ولاء حافظ - عندما تهشم أوزوريس حتى الموت على يد شقيقه «ست»، سافرت زوجته إيزيس في المملكة لاستعادة جميع أجزائه الأربعة عشر، وقامت بربطها معًا. حتى يقوم حارس بوابة العالم السفلي أوزوريس عند البعث بوزن القلب على مقياس مقابل ريشة بيضاء. هكذا حددت مصائر المتوفى. فإذا تعادلت الكفتان كان هذا الفرد يمتلك قيما رائعة وقلبا أبيض نقيًا بوزن الريشة، فسوف يُسمح له بالمرور بسلام إلى الحياة الآخرة من دون أن يحمل أوزار الخطيئة. رواية راجية حسيب الجديدة، «قلب نقي»، نشرت قصتها صحيفة «نيويورك تايمز»، حيث تدور أحداثها أثناء ثورات الربيع العربي في مصر تحديدا، حيث توفيت «جميلة» شقيقة «روز» الصغرى في تفجير انتحاري بالقرب من القاهرة. فعادت روز، عالمة الآثار في متحف متروبوليتان للفنون، إلى القاهرة للحداد مع والديها. واستحوذ عليها الشعور بالذنب حول طبيعة علاقتها مع أختها جميلة قبل وفاتها، وفي وقت متأخر من تلك الليلة تحاول روز أن تتلمس محتويات غرفة نوم جميلة بكل حزن، وتتفقد أي ملامح مادية لوجود الفتاة البالغة من العمر 28 عامًا، كما يفعل أي عالم آثار جيد. وترى روز نفسها بالنسبة لجميلة كـ«ست» وإيزيس، «القاتل والمخلص». فتتخيل أنها بجمع أشياء جميلة ستجمع شقيقتها مرة أخرى. ثم تعود إلى نيويورك بصندوق يضم ما جمعته منها. شعور بالذنب فيما بعد اتضح أن روز لديها سبب للشعور بالذنب، حيث ان زوجها مارك، كان متورطًا بطريقة ما في وفاة شقيقتها جميلة. فقد اعتنق مارك، ذو الملامح الشقراء والمولود في فرجينيا الغربية، الإسلام من أجل الزواج بروز، وكان مراسلًا أجنبيًا في مصر ولبنان وأماكن أخرى. ويشعر بالفخر من قدرته المتلونة على تقمص أدوار مختلفة اعتمادًا على أماكن وجوده في العالم، ولا يأبه بتعقيدات الثقافات العميقة التي تترك آثارها على ملامح المدنيين. قبل سنوات، أصيبت جميلة بالصدمة وخيبة الأمل بسبب ارتباط أختها بمارك، ولطالما كانت تؤنب روز لفرارها إلى أميركا لدراسة تراثها، بينما بقيت جميلة في وطنها في حالة زهد ديني. ومن ثم بدأ الانهيار البطيء لعلاقة الاختين، حيث اندمجت كل منهما في دوامة مدينتها، وأسرارها الخاصة، وقناعاتها الخاصة. لكن العنصر الأكثر إثارة للحزن في رواية حسيب ليس العلاقات المحظورة، أو الدينامكيات الأسرية المعقدة، أو حتى قصة الانتقام الانتحاري للشاب الذي أخذ جميلة معه. بل إنه التحليل المنقوص لمدى استنفاد كل فرد يحاول احتواء الجموع. المكان الخطأ والوقت الخطأ يعيدنا السرد إلى الوراء في الرواية من خلال الذكريات الشخصية للشخصيات الرئيسية الثلاث، بينما تظل روز غير مقتنعة بأن مقتل أختها كان «نتيجة لكونها في المكان الخطأ في الوقت الخطأ»، وماتزال تبحث عن إجابات شافية. وتثير قصص مارك وروز في الرواية مشاعر الإثارة والإحباط معا بالكشف عن وجود تشتت في مختلف مكونات نفسك في جميع أنحاء العالم. وتصفها بأنها أدق من بيان فسيفساء لامعة وسط شظايا الزجاج المتميزة التي تحاول جمعها. ويدرك الزوجان أن محاولة العثور على السعادة في أي مكان هو مسعى وهمي. وجذب أنفسهم في العديد من الاتجاهات الجغرافية والثقافية المختلفة سيصيبهم بالشلل فقط. فتشتت روز عالمي.. ترسل ذراعيها في مصر عند والديها لتعانقهما وتخفف عنهما من على بعد؛ أما رأسها ففي نيويورك لتدرس وتنتج أعمالًا علمية تُحسد عليها؛ أما ساقاها ففي ولاية فرجينيا الغربية للمشي لمسافات طويلة؛ وأما قلبها فقد دفن مع «جميلة». عبرت الكاتبة المصرية راجية حسيب في رواية «قلب نقي» A PURE HEART، عن نفسها بكونها مهاجرة مصرية تعيش في فرجينيا الغربية، وعن الشغف المنجذب لأصوات مصر وما يحدث فيها، حتى صوت شخصية «صابر»، المهاجم المتطرف البالغ من العمر 21 عامًا والذي حصل على القليل من الاحتواء والدفء حتى أصبح متحمسا لعقيدة متطرفة تستخدمه في تفسير الدين بشكل خطأ. استطاعت حسيب في روايتها تفكيك الصور النمطية لبلدها وثقافتها. وهي بذلك تكشف عن أفضل وأسوأ صفات الجنس البشري، وعالميتنا واختلافنا، مضيئة كل الطرق التي لا تعد ولا تحصى والتي يمكن أن يكون القلب نقيًا بها.



عدد الزيارات : 999 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق