> فن وثقافة

الروائي حمود الشايجي: واقع الرقابة في الكويت.. مأساوي


الروائي حمود الشايجي: واقع الرقابة في الكويت.. مأساوي

اعتبر الروائي حمود الشايجي أن الرقابة تكبّل حرية التعبير وتسعى إلى خنق الإبداع بلا مبرر، مشيراً إلى أن الكويت خسرت الكثير بسبب مقص الرقيب، في وقت أصبحنا فيه أحوج ما نكون إلى فتح الآفاق للأفكار والإبداعات والرؤى حتى لو كانت صادمة. ووصف الشايجي في حوار مع القبس «المتشددين» بأنهم يسعون إلى سلب المجتمعات كيانها وروحها، مشيراً إلى أن الرقابة اسهمت في قتل روايته «شيخ الخطاطين»، بمنعها، كما تضرر مبدعون آخرون من هذا القمع غير المبرر. تحدث الشايجي عن روايته الأخيرة «جليلة»، مؤكدا أنها أحسن حظاً من سابقتها، فهي توغل في تاريخ الكويت وتكشف عن عبرة الزمن للأجيال، لافتاً إلى أن المبدعيين الكويتيين بحاجة إلى تسليط الضوء على تاريخنا وثقافتنا ومنجزنا الحضاري، ومؤكداً أن أصحاب النظرة القاصرة يعتبرون الدول النفطية طارئة على العصر الحديث. تحدث الشايجي عن الأديب الراحل إسماعيل فهد إسماعيل، مؤكداً أنه ليس شيخ الروائيين فحسب، بل أبٌ من آباء للثقافة الكويتية، وما من جيل إلا ويدين له بالفضل. • من الشعر إلى الرواية، هل جاءت هذه الانتقالة بقرار وخطة مسبقة؟ منذ شعوري بأن الكتابة لم تعد مجرد هواية بالنسبة لي، قمت بالتدرب والتجريب في أشكال عدة من الكتابة، فلم أكن أكتفي بالشعر، فمن وجهة نظري لكي أفهم الشعر عليَّ أن أفهم مفهوم الكتابة بشكل شامل، لذلك في الوقت الذي كنت أكتب فيه الشعر كتبتُ المسرح والرواية والمقال والسينما، وكان هذا التمرين والتجريب الدائمان يعتمدان على نقطتين، الأولى: تطوير أدواتي في الشعر، والثانية: اكتشاف مناطق كتابية جديدة. ولقد اكتشفت هذه المنطقة الكتابية الجديدة، فكانت الرواية، وبعد هذا الاكتشاف، قررت الانتقال الذي لم يكن سريعاً، فقد استغرق ما يقارب السنوات العشر من التدريب شبه الصامت، والقراءات التي غلبت عليها الرواية. جليلة تتصدّر • رواية جليلة أحدثت صدىً جيداً في الأوساط الأدبية بالكويت وبعض الدول العربية، بخلاف حظوظ روايتك الأولى «شيخ الخطاطين» فبم تعلل ذلك؟ الأسباب عديدة، ومن أهمها الفرق بين الأسلوب الكتابي للرواية، فرواية «شيخ الخطاطين» كتبت بأسلوب فانتازي اعتمد على الرمز والفلسفة، أما رواية جليلة فلغتها أقرب إلى القارئ، والحكاية فيها تعتمد على الواقعية والتاريخ. ناهيك عمَّا واجهته رواية «شيخ الخطاطين» من تعسف ومنع في الكويت، التعسف الذي اسهم في قتل الرواية، أما رواية جليلة فلقد اسهم حب القراء لها بانتشارها، فلقد كانت رواية «جليلة» أقرب للقارئ وتمسه أكثر من رواية «شيخ الخطاطين»، فموضوع رواية «جليلة» موضوع مهم، وجاء في وقته، فالرواية تعرض مرحلة مهمة من تاريخ الكويت ومنطقة الخليج، كما تعرض بداية تشكل الحركات المتشددة، ورغبة هذه الحركات في سلب المجتمعات روحها وكياناتها، وتعد هذه القضية من أهم القضايا المطروحة في الرواية. سرد تاريخي • في رواية جليلة تسرد جانباً مهماً من تاريخ الكويت والخليج. فهل ستكمل على طريق الرواية التي تتناص مع أحداث التاريخ وعبرته؟ إن الحقبة التاريخية التي تدور فيها أحداث رواية «جليلة» شهدت خلالها الكويت ومنطقة الخليج نشوء الدول الحديثة، فتحولت من مرحلة ما قبل الدولة إلى مرحلة الدولة بمفهومها الحديث الواضح المعالم، ويعتقد البعض أن لجوء الكاتب الخليجي إلى الكتابة عن مرحلة ما قبل النفط وما قبل الدولة الحديثة هو مجرد حنين للماضي، وأنا أعتقد أن هذه النظرة قاصرة، بل قاصرة جداً، لأن الكتابة عن تلك المرحلة لها أسباب عدة أكبر من مجرد حنين، ومن هذه الأسباب: السبب الأول هو كشف تاريخنا لمن يجهله، فنحن كدول يعتقد البعض بأننا دول طارئة على التاريخ، خدمتنا الثروة النفطية أكثر من تاريخنا، لكن لو تأملوا تاريخنا جيداً لعرفوا أن أجددانا بنوا دولنا بتعب وجهد يصعب تخيله. أما السبب الثاني فهو مراجعة تاريخنا مراجعة موضوعية، فالكتابة عن تاريخنا يجب أن تكون موضوعية وشفافة، فلا نغفل الحلو ولا حتى المُر، فالمراجعة يجب أن تكون للإنجازات وللإخفاقات، وهذا ما سيسهم ببناء دولنا الحديثة بناءً قوياً ومتيناً، ربما تلحظ مثلي أن دول الخليج كلها وضعت رؤاها المستقبلية مثل (2030 و2035) وغيرها، وهذه الرؤى لا تكتمل إلا بمراجعة الماضي بموضوعية، للانطلاق إلى هذه الرؤى بأسس وثقة بالنفس أكثر. قيمة تاريخية • في «جليلة» تجلّت فيلكا بكل ما تمثله في وجدان أهل الكويت، كيف اخترتَ شخصيات تتماهى مع تلك الجزيرة الأثيرة؟ كانت الرغبة تتحرك بي منذ سنوات عدة، أريد أن أكتب عن مقام الخضر وعن جزيرة فيلكا، بحثت كثيراً، إلى أن وصلت إلى صورة بالأبيض والأسود لصالحة البنية، عندما رأيتها للمرة الأولى فُتنت بها، كان وجهها الحبشي المخفي وراء لثام وعينها الصارمة، ورقصتها بالعصا أمام جموع من الرجال في جزيرة فيلكا، لم أنم ليلتها، صحت بأعلى صوتي «وجدتها»، صالحة فعلاً سحرتني، أخذتني حيث أرادت، لدرجة أني مؤمن بأني لم أكتب شيئاً في رواية جليلة لم ترد صالحة البنية أن أكتبه، صالحة هي التي شكلت الرواية، هي التي أخذت تحيك الشخصيات الكثيرة أمامي إضافة إلى كثير من الأحداث والمشاهد وأنا أنقلها عنها. الساحة الأدبية • ماذا أضاف جيلكم للساحة الأدبية عموماً وللرواية الكويتية على وجه الخصوص؟ وبعد رحيل إسماعيل فهد هل تتوقع أن تبزغ قامة تمتلك مشروعاً مماثلاً؟ جيلنا أضاف الكثير من الجرأة والتنوع، وأعتقد أن هذا الجيل هو أحد الأجيال الذهبية في الكويت، وذلك رغم ما يواجهه من الصعوبات الروتينية والقوانين التي بادت عالمياً ولا يزال معمولا بها في الكويت مثل قانون الرقابة، الذي لا أراه إلا مضيعة للوقت والجهد وحتى ميزانية الدولة. هذا الجيل استطاع، رغم كل الصعوبات، أن يبقى وأن يؤسس له مشاريعه الثقافية، فاليوم نحن في الكويت وبسبب هذا الجيل نحسد عربياً على المشاريع الثقافية «غير الحكومية» التي لدينا، وعلى الوعي الكبير لمن يدير هذه المشاريع. هذا بالنسبة للعمل المؤسسي الثقافي، وما يتعلق بالمشاريع الفردية الكتابية، فلدينا مجموعة كبيرة من الكتاب أصحاب المشاريع الحقيقية، كما تمتد المشاريع الفردية للفنون التشكيلية والموسيقى، الحركة الثقافية في الكويت غنية. أما ما فقدناه، فلقد كان كبيراً بل كبيراً جداً، فإسماعيل فهد إسماعيل يعتقد البعض انه شيخ الروائيين الكويتيين، وأنا أقول إنه أكبر من ذلك، فهو أب الثقافة الكويتية، فما قدمه إسماعيل للساحة الثقافية كبير جداً، ويفوق عدد رواياته، فهو قدم أجيالا تلاحقت بهذه الساحة، اندمجت واختلفت وخلقت حراكاً كبيراً تحت عينيه، إسماعيل كان أحد المحركين الأساسيين في الساحة الثقافية الكويتية، فالأجيال التي تعيش عصرها الذهبي كلها مدينة بالفضل لإسماعيل فهد إسماعيل بشكل مباشر او غير مباشر. الكيانات الأدبية • لماذا خفتت الكيانات الحاضنة للتيارات الأدبية في الكويت، وكيف تقيمون دور الملتقيات؟ لا أعتقد أنها خفتت، بل اتخذت أشكالاً مختلفة وجديدة عما كانت عليه، فأغلب الملتقيات لا تزال قائمة بشكل أو بآخر. والحراك الثقافي قوي ومؤثر. • تركت العمل الدبلوماسي لعيون الأدب، هل هذا قرين بتمردك الفطري، ورفضك للقيود والنمطية في العمل والحياة؟ كنت مخطئاً بأني شيء آخر غير كاتب.. • مصادرة الكتب تكررت في الكويت، ومن واقع تجربتك مع الرقابة التي منعت روايتك «شيخ الخطاطين»، كيف تنظر إلى هذا الأمر؟ واقع الرقابة مأساوي في الكويت، فلا أحد يستطيع أن يمنع أي كتاب اليوم، لكن في الكويت مع الأسف يمنع لأبسط الأسباب وأحياناً لعدم وجود سبب. وهذا ما حدث مع رواية شيخ الخطاطين، فالرقيب، ربما لعدم فهمه الرواية، منعها واتخذ من بعض الكلمات فيها شماعة يعلق عليها منعه، لكن في رواية جليلة كانت تجربتي مختلفة، كتبت كل ما أريد بأسلوب جديد، وأكثر جرأة ولأن جليلة رواية كانت مفهومة بالنسبة لهم استطاعت أن تتجاوز حجة الرقيب في المنع. • مشروعك الأدبي القادم؟ لدي أفكار لروايات عدة، ومشروع مسلسل تلفزيوني، لكن لا أخفيك بأن مشروعي المقبل أتمناه أن يكون مشروعاً شعرياً. فكم أنا مشتاق للشعر!.

0

عدد الزيارات : 1419 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق