> برلمانيات

غابت استجوابات «الهيبة».. وحلَّ مكانها استجواب «التغريدة»


غابت استجوابات «الهيبة».. وحلَّ مكانها استجواب «التغريدة»

على مدى سنوات طويلة من البناء الديموقراطي الراسخ، صال وجال رجالات الدولة في استجوابات لشيوخ ورموز وطنية، أثرت بنية الحياة السياسية من دون شطط، وأضافت لرصيد المسار الديموقراطي، لكنها تحولت مع مر الزمن إلى ذكرى جميلة تستجلب التحسر عند النظر إلى ما آلت إليه الممارسات النيابية التي حولت أداة الاستجواب إلى سلعة انتخابية رخيصة، وأداة ابتزاز. وشهدت مسيرة الحياة النيابية منذ انطلاقتها في بلادنا 109 استجوابات، إلا أن هذا السجل الحافل للرقابة البرلمانية، لا يكتسب قيمته الوطنية والتاريخية بعداد الأرقام، وإنما بالمنطلقات والبواعث، والاتساق مع الغايات العليا للنصوص الدستورية، تحقيقا للمصالح الوطنية الخالصة. وتظهر القراءة في سجل أداة الرقابة بونا شاسعا بين نوعين من الاستجوابات. أولها، وما أكثره، اكتسى بالمصالح والمزايدات الانتخابية، والمراهقة السياسية، واستهدف تحقيق انتصارات وهمية. ومثّل هذا النوع انحرافا ينذر بمخاطر كبيرة على المسار الديموقراطي السليم. ونوع آخر تبناه رجالات دولة، وما أقلهم، انطلق من رحم المبادئ الدستورية، واستهدف كشف الغطاء عن قضايا فساد خطيرة وإهدار لمقدرات الوطن. تلك الاستجوابات، على قلتها، قومت اعوجاجا حقيقيا في تسيير أمور الدولة، وصححت مسارات خاطئة إستراتيجيا، وبقيت خالدة في ذاكرة الوطن على أنها قدوة. وضرب النائب السابق حمد الجوعان مثالا في الرقابة الدستورية الفذة، عندما تقدم في أول عهده النيابي، في 16 إبريل 1985، باستجواب، برفقة النائبين السابقين أحمد الربعي ومبارك الدويلة، إلى وزير العدل آنذاك الشيخ سلمان الدعيج، على خلفية صرف سندات لابن الوزير من صندوق صغار المستثمرين بمبلغ يزيد على 1.4 مليون دينار، وأراد الجوعان الانتصار للمال العام وحرمته، بعيدا عن الشخصانية ودون الولوغ في شبهة تصفية الحسابات، فسقط الوزير وانتصر الحق العام. واستمر الجوعان في دفاعه عن المصالح الوطنية العليا، بعدما عاد على مقعده المتحرك ليمثل الأمة مجددا في 1992، عقب محاولة اغتيال أرادت إسكات صوته. ويذكر التاريخ أيضا، استجواب النائب السابق مشاري العصيمي في 24 يونيو 1986، الذي قدمه لوزير النفط والصناعة، آنذاك، الشيخ علي الخليفة،على خلفية تفجيرات طالت 4 مواقع نفطية، وانتهى بحل المجلس حلا غير دستوري، بعد أقل من 10 أيام على تقديمه. وهناك نموذج ثالث، للاستجوابات الراقية التي لا ترمي بالضرورة إلى إسقاط الوزير، وإنما إلى فتح مناقشات وطنية عامة بشأن قضايا جوهرية، منها الاستجواب الذي تقدم به النواب سامي المنيس ومشاري العصيمي وأحمد المليفي إلى الوزير السابق ناصر الروضان في عام 1997، وانتهى دون طلب طرح ثقة، وهو الاستجواب الذي شكل محطة تاريخية في الحياة البرلمانية والسياسية، وتناول أداء 5 مؤسسات أساسية في الدولة، وشكل دعما لحماية المال العام، وتحصينا له أمام محاولات العبث والتطاول. وتزيح تلك المقاربات التاريخية الستار عن استجوابات أخرى أهانت وقار هذه الأداة الدستورية، وأسقطتها من عليائها الرقابية، وأحالتها أداة ابتزاز سياسي رخيص، وتكسبا شعبيا مقيتا وتصيِّدا انتهازيا في مواسم الانتخابات والمزايدات. شتان بين استجوابات رجالات الدولة واستجوابات المزايدين الباحثين عن تسجيل نقاط تكتيكية.. لذا، وبفعل فاعل، تغيب القضايا الوطنية الكبرى، ولا عزاء للمواطن الذي ينتظر التنمية لتأمين مستقبل أبنائه وأحفاده في وطن عزيز، لأن بعض المتبارين من نواب المزايدات يرمون فقط لتوسيع قاعدة ناخبيهم بالدغدغة الغريزية لضمان عودتهم إلى مجلس الأمة نواب خدمات وتكتيكات مصالح ضيقة غير عابئين بسلامة الديموقراطية ولا حتى بسلامة الوطن.



عدد الزيارات : 1062 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق