> مقالات

ألو شرطي .. تعال صيد الحرامي

كتب : عبدالعزيز بومجداد |
ألو شرطي .. تعال صيد الحرامي


في المجتمع الكويتي، كما في كل المجتمعات، هناك بعض السلوكيات والأعراف التي يتم تطبيقها في كل بيت وفي كل أسرة، ومن هذه السلوكيات طريقة إخافة الأطفال عندما يكونوا مشاكسين أو "وكيحين"، وهي أن تقوم الأم برفع سماعة التلفون والتظاهر بأنها تكلّم رجال الشرطة، فتخاطبهم بهذه العبارة الشهيرة "ألو شرطي .. تعال صيد ولدي "فلان" صاير شيطان" فيخاف الطفل ويجلس هادئاً.
كبرنا قليلاً وأصبحنا أكثر نضجاً وعقلانية وأدركنا بأن أمهاتنا لم يكونوا يقصدن أبداً إبلاغ الشرطة أو تسليمنا للمخفر أو النيابة مثلاُ، إنما هي مسرحية تقوم بها أمهاتنا لإخفاتنا، حينها لم تعد هذه العبارات تخيفنا حتى لو خاطبت الأم الشرطة فعلاً، كبرنا قليلاً وأصبحنا أكثر نضجاً وعقلانية ومتابعة للأمور التي تدور من حولنا فاكتشفنا أن هذه الأسلوب المسرحي ليس اسلوب الأمهات فقط لإخافة أبناؤهن، بل هو أسلوب الحكومة في التعامل مع الفاسدين واللصوص والحرامية، وهذا ما تثبته صيحات الحكومة وصرخاتها التي لم يكن لها أي أثر على وقف الفساد، بل إن أجهزة الحكومة التي أنشأتها بهدف التصدي للفساد مثل نزاهة والتي لم ينتج عنها إلا المزيد من الفاسدين، وعلى أساس أن مسؤولية فرض الرقابة ومحاسبة الفاسدين تقع على عاتق مجلس الأمة "الفاشل" لكننا نجد أن الحكومة لا تقيم له وزناً ولا تضع له اعتباراً ثم وبعد تهميشه تقوم بإنشاء أجهزة تقع تحت سلطتها لتراقب فسادها وتحاسبها عليه .. فهل نبكي أم نضحك على هذه الفيلم الكوميدي؟
لقد تعلمنا في كلية الحقوق وخصوصاً في القوانين الجزائية أن العقوبات التي تقع على المجرمين، وأقصد هنا سرّاق المال العام والفاسدين، تحقّق نوعين من الردع، النوع الأول هو الردع العام الذي يعني أن توقيع العقوبات على المجرم يزجر الناس ويردعهم عن اقتراف الجرائم حتى لا يتعرضوا لما تعرض له هذا المجرم، والثاني هو الردع الخاص والذي يعني أن العقوبة التي تقع على المجرم تردعه عن العودة لارتكاب جريمة مرة أخرى، لكن في الواقع لا الردع العام تحقق ولا الردع الخاص، فكل فاسد يتم اكتشاف أمر فساده وتعديه على المال العام إما يتم عزله من وظيفته كأقصى عقوبة من الممكن أن يتعرض لها أو يتم نقله لمنصب قيادي آخر، وهذا ما يكون معه الردع العام معدوماً وهو ما ينتج عنه أسماء فاسدة جديدة نسمع عنها كل يوم بدلاً من أن تقل حالات الفساد، حيث أن معدومي الضمير والشرف عندما يشاهدون أن الفاسدين لا يُحاسبون بأكثر من العزل من الوظيفة فإنهم يُقدمون على التعدي على المال العام. والسؤال هو، إذا كان مجلس الأمة لا قيمة له في هذا الخصوص، فهل الشعب راضٍ عن هؤلاء النواب الفاشلين ؟ وهل سيعيد انتخابهم ثانيةً حتى يكون أكبر إجراء حكومي ضد الفساد هو رفع سماعة التلفون ومخاطبة الشرطي بعبارة "تعال صيد الحرامي" ؟

عدد الزيارات : 2883 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق