> محليات

رندة تقي الدين: فرنسا مهددة بالشلل والتعطيل


رندة تقي الدين: فرنسا مهددة بالشلل والتعطيل

أثبتت الانتخابات التشريعية الفرنسية أن التطرف اليساري واليميني أصبح يهدد شلل حكم البلد والمؤسسات. فبعد أن أسفرت الانتخابات التشريعية عن خسارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الأغلبية المطلقة لنواب تجمع كتلته "معا" وحصوله على ٢٤٦ مقعد نيابي في الجمعية الوطنية من أصل ٥٧٧ (والأغلبية المطلقة هي ٢٨٩ مقعد) لم يبق أمامه إلا التحالف مع اليمين الوسطي الديغولي حزب الجمهوريين الذي حصل على ٦٤ مقعد اي المرتبة الثالثة في المعارضة بين ائتلاف اليسار الحاصل على ١٤٢ مقعد وهو في المرتبة الأولى من المعارضة مهندسه جان لوك ميلانشون زعيم حزب " المتمردين " “Les Insoumis “ اليسار المتطرف وبين اليمين المتطرف المتمثل برئيسة حزب التجمع الوطني مارين لوبن مع عدد نوابها ٨٩ في الجمعية الوطنية، وكان لها ٧ نواب فقط في الجمعية الوطنية السابقة. 
سعي الرئيس الفرنسي إلى دعوة رؤساء أحزاب الجمعية الوطنية الجديدة اليوم وغدا الأربعاء لبحثه عن مخرج لإدارة البلد وإدخال الإصلاحات التي هي ضمن برنامجه دون تعطيلها.
إلا أن معظم الذين التقاهم امس وأهمهم بالنسبة لإمكانية التحالف معه هو رئيس حزب الجمهوريين كريستيان جاكوب الذي أكد أنه ضد أي تحالف مع مجموعة الرئيس ولكنه التزم بعدم شلل المؤسسات . 
أما امين عام الحزب الاشتراكي اوليفيي فور وهو عضو في الائتلاف اليساري فأبدى تحفظا حذرا بالنسبة للتعامل مع الرئيس .
مفاجأة هذه الانتخابات تمثلت في صعود حزب مارين لوبن اليميني المتطرف الذي ينبذ الانتماء لاتحاد أوروبي دون حدود والذي يرفض كما اليسار المتطرف سن التقاعد إلى ٦٥ حسب خطة ماكرون، فالحزبين المتطرفين اليمين واليسار يريدان تخفيض سن التقاعد من ٦٢ إلى ٦٠ سنة دون إدراك التكلفة الباهظة لهذه الخطة على المالية الفرنسية . يبقى لماكرون إدارة الدبلوماسية والسياسة الخارجية التي هي دستوريا تعود للرئيس . 
على صعيد الاقتصاد وإدارة الشوؤن البلد سيسطدم ماكرون بتمرد التطرف في البرلمان . 
فوز التجمع الوطني اليميني المتطرف أكثر تهديدا لادارة ماكرون من ناحية المعارضة لأنه أكثر تجانسا من ائتلاف اليسار المكون من أحزاب يسارية مختلفة كثيرا ما تختلف على الخطط والبرامج لإدارة البلد ولو أنها توحدت في سبيل الانتخابات بفضل ميلانشون. فهذا الائتلاف قد يسقط بسرعة بسبب الاختلاف في الآراء .
لا يمكن لماكرون أن يقاوم تطرف لوبن إلا مع الجمهوريين الذين ليسوا ضد أوروبا وهم مع رفع سن التقاعد إلى ٦٥. ولكن حتى الآن لم توضح الرؤية سوى أن ميلانشون ولوبن مستعدان لشل عمل ماكرون وإفشاله على حساب مصلحة فرنسا. فلوبن فشلت في الوصول إلى سدة الرئاسة في منافستها مع ماكرون وهي الآن تستعد للانتقام . ميلانشون يعارض ماكرون بتهجم عنيف. أعضاء ائتلافه اليساري الشيوعي فابيين روسيل والاشتراكي فور قبلا دعوة ماكرون إلى الايليزي للبحث في كيفية إدارة البلد إلا أن ميلانشون حتى نشر هذا المقال لم يعلن عن نيته للاستجابة لهذه الدعوة . 
رفض الرئيس الفرنسي قبول استقالة رئيسة حكومته ايليزابيت بورن اليوم يشير إلى رغبته بالاستمرار في السيطرة على الأمور على ألا يخضع بعد أقل من شهر من تشكيل حكومة بورن لمطالبة المعارضة. فهو مضطر للقيام بتعديل للحكومة لاستبدال وزرائه الثلاث الذين فشلوا في الانتخابات وزيرات الصحة و التحول البيئي و البحار.
في حال ساد الشلل والتعطيل في فرنسا امام ماكرون في منتصف عهده أو بعد حوالي سنة من الآن خيار حل الجمعية الوطنية، إلا أن حل الجمعية الوطنية ليس دائما خيار موفق . فسبق للرئيس الراحل جاك شيراك أن حل الجمعية الوطنية وأجبر على التعايش مع الاشتراكيين .
علاقة الشعب الفرنسي مع السياسيين في بلدهم تتسم بالعقيد من ناحية رغبتهم برفض التفوق والوصول إلى المراكز العليا بسرعة ولو كانوا لامعين . فكثيرا ما يتمنون إسقاط الذين تفوقوا إلى أعلى المناصب دون اختبار الفشل. فرئيسهم يلقى تقديرهم ويحظى بشعبية بعد أن يفشل مثل الراحل فرانسوا ميتران الذي فشل في أول انتخابات رئاسية ثم بقى رئيسا ١٤ سنة. كذلك الأمر بالنسبة للرئيس الراحل جاك شيراك الذي حظي بأكبر شعبية بعد وفاته كما الجنرال شارل ديغول الذي أجبره الشعب الفرنسي على ترك الرئاسة. فقد تشهد فرنسا بعد هذه الانتخابات التشريعية تظاهرات واضرابات على نمط ماحدث مع السترات الصفر إذا حولت أحزاب التطرف في البرلمان المعارضة إلى الشارع وهذا وارد مع ميلانشون ولوبن اللذان يعدون لعهد ماكرون الثاني الفوضى والبلبلة.

عدد الزيارات : 336 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق