> دولي

رندة تقي الدين: إضرابات فرنسا وطوابير البنزين


رندة تقي الدين: إضرابات فرنسا وطوابير البنزين

ما أصعب مسوؤلية رئيس فرنسا أو رئيسة حكومته وذلك في ظل جميع العهود الرئاسية إرضاء الشعب الفرنسي مهمة شبه مستحيلة لأن المواطن الفرنسي متطلب وفي نفس الوقت كثيرا ما يكره الأثرياء والذين يحصلون على مكاسب مالية بكفاءاتهم وقدراتهم من إداريين او رؤساء شركات . 

فالمواطن الفرنسي اعتاد على الاتكال على الدولة التي تعطيه الكثير من الضمانات الاجتماعية له ولعائلته. ولكنها أصبحت الآن عاجزة عن الاستمرار في تمويلها لأنها صرفت مبالغ هائلة على ذلك في العهود السابقة . 
فما أن اقترح الرئيس الفرنسي ايمانوييل ماكرون أن يرفع سن التقاعد من ٦٢ الى ٦٥ سنة إلا قامت القيامة عليه من كل التيارات السياسية من اليمين المتطرف إلى اليسار . علما بأن معظم الدول الأوروبية قررت سن التقاعد ٦٥ سنة منذ الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك هناك محاولات لاصلاح التقاعد ولم ينجح أحد لانها مسألة حساسة لدى الشعب الفرنسي المتعلق بحقوقه الاجتماعية .
والآن والحرب الروسية في أوكرانيا أدت إلى ارتفاع أسعار جميع السلع الغذائية حتى التي ليس لديها علاقة بالحرب يسود الاستياء الشعبي في البلد . شهدت فرنسا اليوم اضراب عام للنقابات في النقل العام من مترو وقطارات وكل القطاعات الحيوية في البلد.
بدأت منذ حوالي عشرة أيام بدأت إضرابات قطاع توزيع البنزين والديزيل مع طوابير من السيارات والشاحنات تقف بالصف لمدة ثلاث وأربع ساعات للحصول على بنزين والديزيل بسبب توقف عمال مصافي توتال اينيرجي وايسو لاكسون.
ومطالب النقابات وهي ثلاثة أساسية رفع الأجور للموظفين. وقد تم الاتفاق بين توتال اينيرجي مع نقابتين على أن تزيد أجور الموظفين بنسبة 7 في المئة مع راتب إضافي لشهر بين ٣٠٠٠ إلى ٦٠٠٠ يورو حسب رتبة الموظف . 
وحدها نقابة CGT رفضت التسوية وبقيت متشددة لأسباب داخلية مرتبطة بانتخابات قائدها الذي يريد تجديد منصبه . 
فالاضراب مستمر والاستياء يعم البلد رغم ان رئيسة الحكومة طلبت من موظفي الدولة القيام بتوزيع البنزين من المصافي الى المحطات .
واقع الحال أن أي رئيس جمهورية في فرنسا إن كان من اليمين أو اليسار لا يحسد على منصبه لأن الشعب الفرنسي صعب إرضائه .
أولا المواطن الفرنسي يكره الغني، فالمواطن العادي لا يعجبه أن يكون لشركة كبرى راتب باهظ حتى ولو كان ذلك عبر عمله وكفاءاته . 
الواقع أن منذ زمن طويل وعدد كبير من الفرنسيين ينظرون إلى الثراء كأنه عيب حتى ولو كان عبر عمل او كفاءة، فكم نرى من حوادث سرقة سيارات فخمة أو تخريبها بكسر زجاجها . وزادت حوادث النشل على أصحاب الساعات الفخمة في مدن انتيب وكان السياحية الجنوبية في فرنسا حيث يتواجد السواح الأثرياء.
والآن مع مشاركة عدد كبير من الأحزاب اليسارية المتطرفة في فرنسا بقوة في البرلمان خطر شل البلد يرتفع لأنهم يعارضون كل شيء . 
صحيح أن فرنسا من بين أجمل دول العالم والذوق الفرنسي يعتبر من بين أرقى معالم فرنسا ولكن هناك مشكلة بين الفرنسي العادي والمال خصوصا الثراء .
فالفرنسي في أوروبا الأول من حيث حسابات الادخار وهو حريص على عدم إظهار معالم ثروته إذا كان ثريا.
رغم ذلك الأثرياء الفرنسيين حريصين على حماية معالم بلدهم الوطنية. فعندما شب حريق كاتدرائية Notre Dame de Paris ودمر جزء منها فأسرع أثرياء فرنسا في تبرعات بالملايين لأعادة ترميمها الذي يجري الآن .
ففرنسا اليوم تشهد أزمات عديدة في طليعتها القطاع الصحي الذي يتطلب إصلاحات واسعة وعميقة علما بأن نوعية الطب فيها جيد ولكن حالة المستشفيات العامة متدهورة جدا تحتاج إلى تحسين والكوادر الطبية ومساعدي الأطباء تتقلص في بعض المدن والقرى. فالأزمات عديدةوالاضرابات لا تساعدها بل تشلها ولكن الأحزاب اليسارية الموجودة في البرلمان مستعدة للمضي قدما مع النقابات بدفع المزيد من الإضرابات.

عدد الزيارات : 456 زيارة

كل التعليقات

    لا توجد تعليقات علي هذا الموضوع

اضف تعليق